من التفاح إلى الذخيرة ومن الجسور إلى الجنود، تدخل العلاقات بين كوريا الشمالية وروسيا إلى مرحلة جديدة لتتوسع الشراكة الاستراتيجية بين البلدين إلى ما هو أبعد من الدعم العسكري المتبادل، لتشمل مجالات الاقتصاد، والبنية التحتية، والثقافة، وحتى الحياة اليومية للمستهلك الروسي.
فبعد مرور عام على توقيع الرئيس الروسي فلاديمير بوتين والزعيم الكوري الشمالي كيم جونج أون اتفاق شراكة استراتيجية في بيونج يانج، بدأت معالم تعاون أعمق بالظهور.
تخطى الحصار
شهدت العلاقات التجارية بين البلدين نموًا ملحوظًا خلال الأشهر الـ12 الماضية، رغم العقوبات المفروضة على كوريا الشمالية. فقد دخلت سفن الصيد الكورية الشمالية المياه الإقليمية الروسية، وسجّلت شركات كورية علامات تجارية لمنتجات تشمل المربى والبيرة والنقانق وحتى الآلات الموسيقية.
ويبدو أن السوق الروسية باتت أكثر تقبلًا للمنتجات القادمة من كوريا الشمالية، في وقت تشير فيه مشاريع مشتركة، كبناء جسر جديد بقيمة 100 مليون دولار فوق نهر تومين، إلى رغبة جادة في تحسين سبل النقل البري والتجارة عبر الحدود. كما يجري بحث إعادة تشغيل خط سكة حديد قديم يمتد لمسافة 10 آلاف كيلومتر بين موسكو وبيونج يانج.
وفي تجسيد واضح لتكامل العلاقات الثقافية، قدمت فرق مسرحية روسية عروضًا في العاصمة الكورية الشمالية، بينما يزور رياضيون وأكاديميون من الجانبين كلا البلدين بأعداد متزايدة.
لقاءات رفيعة المستوى
وعلى الصعيد السياسي التقى وزير الخارجية الروسي سيرجي لافروف الزعيم كيم جونج أون الأسبوع الماضي على متن يخت بالقرب من منتجع وونسان الساحلي. وأعرب "كيم" عن دعمه "غير المشروط" لروسيا في أوكرانيا، بينما عبّر لافروف عن "تفهمه واحترامه" لسعي بيونج يانج لتطوير برنامجها النووي.
ويقول أندريه لانكوف، الخبير في شؤون كوريا الشمالية بجامعة كوكمين في سول، إن البلدين أصبحا أكثر صراحة بشأن طبيعة تعاونهما، مضيفًا: "ما كان يُخفى في السابق بات يُعرض الآن على العلن. إنهما يريدان للعالم أن يرى أن هذه الشراكة تُبنى لتدوم".
الدعم العسكري
على الجانب العسكري، تشير التقارير الاستخباراتية الكورية الجنوبية إلى أن كوريا الشمالية أرسلت منذ أكتوبر الماضي ما يصل إلى 12 مليون قذيفة مدفعية إلى روسيا، إضافة إلى نشر نحو 13 ألف جندي في منطقة كورسك الروسية. ورغم الخسائر المحتملة، لم تتردد موسكو في الإشادة بهذه المساهمة. وقال سيرجي شويجو، رئيس مجلس الأمن الروسي، إن الجنود الكوريين الشماليين "يدافعون عن روسيا كما لو كانت وطنهم".
وفي خطوة إضافية، أعلنت موسكو نيتها استقبال نحو 6 آلاف كوري شمالي آخرين، بينهم 5 آلاف عامل بناء عسكري. ويُعتقد أن هذه الخطوة تمثل اختبارًا لقدرة بيونج يانج على تلبية احتياجات روسيا من القوى العاملة، ما يُتيح لروسيا إرسال مزيد من قواتها إلى جبهات القتال في أوكرانيا.
مكاسب اقتصادية
ويرى بيتر وارد، الباحث في معهد سيجونج، أن المساعدات الروسية، سواء النقدية أو العينية، قد تُحدث تحسنًا في قطاعات التعدين والزراعة المتعثرة في كوريا الشمالية. لكنه يُحذر في الوقت نفسه من احتمال توجيه هذه الموارد نحو "مشاريع فخمة للنخبة"، مثل ناطحات السحاب في بيونج يانج، بدلًا من تحسين حياة عامة السكان.
فيما تحدث فيكتور تشا، رئيس قسم كوريا في مركز الدراسات الاستراتيجية والدولية بواشنطن، أن التعاون المتنامي مع روسيا سيُعزز برنامج بيونج يانج النووي، ويمنحها قدرة أكبر على مقاومة الضغوط الدبلوماسية الغربية، حتى بعد انتهاء الحرب في أوكرانيا.