"بدأت أقرأ القرآن الكريم لتحسين نطقي، فوجدت نفسي أقع في غرام اللغة العربية، هذه اللغة سكنتني، وأنا سكنت فيها".. بهذه الكلمات البسيطة كشف الفنان الكبير لطفي لبيب -في لقاء إعلامي سابق- عن سبب عشقه للغة العربية، وهو العشق الذي صار فيما أحد أسرار حضوره المميز على المسرح وفي السينما والتلفزيون، إذ تميز بنطقه الصحيح للألفاظ، والإلقاء السلس، ونبرة صوت يُطوِّع حدتها، وهي صفات صقلت موهبته وجعلته أحد أكثر الممثلين تصديقًا لدى الجمهور.
الفنان الذي خرج من المستشفى في الساعات الماضية وعاد إلى منزله، بعد رحلة علاج طويلة، يصطف داخل قائمة من النجوم الذين عرفوا قواعد الأداء الجاد والتزموا بها، ثم أصبحوا أحد أبرز نجوم الكوميديا في الوطن العربي، مثل رفاقه حسن حسني وسيد رجب وبيومي فؤاد، الذين تأخرت شهرتهم إلى ما بعد العقد الخامس أو حتى السادس من عمرهم، ليكرسوا أنفسهم كأبطال من نوع خاص، وربما نجد في الجيل القديم -مثل عبد الوارث عسر- مثالًا مبكرًا على هذا النموذج الذي تتأخر عنه الأضواء، لكنه عندما يظهر، لا يرحل عن الذاكرة.
ما قبل "السفارة في العمارة" وما بعده
وربما كانت انطلاقة لطفي لبيب الحقيقية، كما قال في حوار سابق من بوابة فيلم "السفارة في العمارة" مع النجم عادل إمام عام 2005، إذ كانت التحول الحاسم، ليس فقط في مسيرته، بل في تقييم السوق السينمائي له كممثل قادر على تقديم الأدوار المركبة، الجادة والكوميدية، وقال عن شخصية السفير الإسرائيلي التي جسدها بالفيلم: "هذا الدور كان مقلقًا لأي ممثل، لكن تشجيع عادل إمام جعلني أجسده، والنتيجة أن الفيلم أصبح محطة فارقة في حياتي، وأجري تضاعف بعده".
لكنه قبل هذ الانطلاق، كان بدأ رحلته الفنية الشاقة، فبعد تخرجه في معهد الفنون المسرحية عام 1970، اضطر لتأجيل حلم التمثيل بسبب التجنيد لمدة 6 سنوات، شارك خلالها في حرب أكتوبر المجيدة، وهو الإنجاز الذي يتفاخر به حتى يومنا هذا، وقال عنه: "كنت في سلاح المشاة، وعشنا أيام حصار مريرة، لا أكل ولا ماء، لمدة 130 يومًا، وكنت في الكتيبة 26، وأقسم أني لا أنسى لحظة من تلك الفترة حتى اليوم".
ثم غادر مصر للعمل خارجها، ليعود بعدها ويبدأ من الصفر، حتى جاءت أولى خطواته المسرحية الحقيقية في بداية الثمانينيات من خلال "المغنية الصلعاء" ثم "الرهائن"، وبعدها بدأ مشوار طويل من المشاركات المسرحية والتلفزيونية، لكنه بقي في الظل دون شهرة جماهيرية.
جيل محمد هنيدي
لكن القدر كتب له مرحلة تألق حقيقية مع ظهور جيل سينما الشباب في أواخر التسعينيات، خاصة مع محمد هنيدي الذي قال عنه "لبيب": "كان بمثابة تميمة الحظ لي، عملنا سويًا في الكثير من الأفلام منها (جاءنا البيان التالي)، و(يا أنا يا خالتي)، و(أمير البحار)، ما فتح الباب لأعمال كثيرة أخرى".
كان لطفي لبيب واحدًا من نجوم "خط الوسط" في السينما، على حد تعبيره، مع نجوم كبار مثل حسن حسني وعزت أبو عوف وصلاح عبد الله، وقال: "كنا الأربعة دائمًا سويًا، والناس كانت تعتبرنا تميمة حظ للأعمال الفنية، والمنافسة كانت دائمًا في لصالح الجمهور".
وشارك لطفي لبيب في أعمال تركت بصمة لافتة، منها "اللمبي" مع محمد سعد، و"عسل أسود" مع أحمد حلمي، و"طباخ الريس" رفقة طلعت زكريا، و"نمس بوند" بطولة هاني رمزي. وفي الدراما التلفزيونية تألق من خلال أعمال كثيرة منها "الأب الروحي" بجزأيه، و"الرحايا" مع نور الشريف، و"الخواجة عبد القادر" و"ونوس" مع يحيى الفخراني، وقدم أدوارًا صوتية أيضًا، كما في فيلم "مغامرات كوكو"، وأطل على الشاشة مؤخرًا ضيف شرف في مسلسل "بنات همام".
النجم الذي تجاوز السبعين من عمره، يحتفظ بمحبة خاصة من الجمهور، خصوصًا أنه كان مخلصًا وصادقًا في حبه لمهنة التمثيل طوال الوقت، ودفعه ذلك الصدق إلى الاعتراف بأنه قدم بعض الأعمال دون المستوى، وفقًا لتصريحاته، إلا أنه لم يندم على شيء، إذ قال في لقاء إعلامي: "شاركت في هذه الأعمال بسبب ظروف مالية كنت أمر بها، وأنا أرى أن هذا هدف نبيل، لأني لدي التزامات تجاه بيتي، والمهم إني كنت أعمل بضمير حتى في أسوأ الأعمال".
الفنان ذو الأصول الصعيدية، حيث ولد في مركز ببا بمحافظة بني سويف عام 1947، شارك في أكثر من 390 عملًا فنيًا، ظل وفيًا لجمهوره حتى في غيابه القسري بفعل المرض، ورفقة إجادته للأدوار التراجيدية، نجح في رسم البسمة على شفاه الجمهور في الوطن العربي، مؤمنًا بأن حب الناس والعيش ببساطة هما مفتاح السعادة.