في وقت سابق من هذا العام، انتقل إدواردو بولسونارو، نجل الرئيس البرازيلي السابق جايير بولسونارو، إلى الولايات المتحدة. منذ ذلك الحين، يضغط على الرئيس الأمريكي دونالد ترامب للتدخل من أجل والده، الذي يُحاكم بتهمة محاولة قلب نتائج الانتخابات البرازيلية لعام 2022.
ويبدو بعد أشهر من التقرّب من أصحاب النفوذ في واشنطن، بما في ذلك تناول العشاء مع ترامب في منتجعه بمار-إيه-لاجو، نال بولسونارو الابن ما تمنى أخيرًا. حيث ربط الرئيس الأمريكي قراره بفرض رسوم جمركية شاملة بنسبة 50% على جميع الصادرات البرازيلية إلى الولايات المتحدة، اعتبارًا من الأول من أغسطس، بالمشاكل القانونية التي يواجهها بولسونارو، ومحاولات المحكمة العليا البرازيلية إجبار شركات التواصل الاجتماعي الأمريكية على الامتثال لقوانين السلامة الرقمية في البلاد.
وفي رسالة إلى الرئيس البرازيلي لويس إيناسيو لولا دا سيلفا، الزعيم اليساري الذي هزم بولسونارو قبل ثلاث سنوات، كرر ترامب دفاعه القديم ضد لوائح الاتهام المختلفة الموجهة إلى الرئيس السابق، ووصف محاكمة بولسونارو بأنها "حملة شعواء" وقال إنه يجب إسقاط التهم "فورًا".
ورغم أن الرئيس الأمريكي نجح في تحويل أعبائه القانونية إلى أداة سياسية، لكن من غير المرجح أن يتمكن من تصدير هذه الديناميكية إلى السياق البرازيلي؛ كما يشير تحليل لمجلة "فورين بوليسي". بل، تشير المؤشرات الأولية إلى أن قراره المتقلب بفرض تعريفات جمركية عقابية بحتة على البرازيل كان كارثيًا على مؤيدي بولسونارو البرازيليين.
رغبات ترامب
يلفت التحليل إلى أنه، رغم الرغبة في الثأر ربما فات الأوان بالنسبة لبولسونارو "فبينما لا يزال يحظى بشعبية بين العديد من المحافظين، مُنع بالفعل من الترشح لمنصب في المستقبل المنظور. كما أن الأدلة ضد الرئيس السابق، الذي قاد اقتحام عاصمة بلاده عام 2023، دامغة لدرجة أن حتى حلفائه يتوقعون إدانته لاحقًا هذا العام".
أيضًا، كان مبرر ترامب الثاني لخطوته المفاجئة هو الدفاع عن "حقوق حرية التعبير الأساسية للأمريكيين". ويُفترض أن هذه الحقوق قد حوصرت بسبب جهود البرازيل لإجبار شركات وسائل التواصل الاجتماعي العاملة على أراضيها على اتباع اللوائح المحلية المتعلقة بانتشار المعلومات المضللة وخطاب الكراهية عبر الإنترنت.
لكن، وفق "فورين بوليسي" تأخر ترامب كثيرًا أيضًا "قبل أشهر، تسببت مراقبة البرازيل لبعض المنشورات على المنصات عبر الإنترنت في إثارة ضجة بين الرجعيين في البرازيل ومتعصبي وادي السيليكون. دافع إيلون ماسك بقوة عن "إكس"، وتجادل مع قاضي المحكمة العليا البرازيلية ألكسندر دي مورايس. لكن ماسك تراجع منذ فترة طويلة".
هكذا، يتكهن التحليل بأن الرسوم الجمركية الجديدة، كما صرّح وزير المالية البرازيلي فرناندو حداد، لا جدوى اقتصادية لها "لكن أحد الاحتمالات هو أنه (ترامب) ببساطة يبحث عن ذريعة لإعادة فرض الرسوم". فرغم أن صادرات البرازيل إلى الولايات المتحدة تُمثّل أقل من 2% من الناتج المحلي الإجمالي للبلاد، إلا أنها تُصدّر أكثر من ضعف هذه الكمية إلى الصين.
أيضا، يمكن ربط غضب ترامب بقمة البريكس التي اختتمت مؤخرًا في ريو دي جانيرو.
في بداية القمة، هدد ترامب بفرض تعريفات جمركية إضافية بنسبة 10% على أي دولة تتبنى ما أسماه سياسات البريكس "المعادية لأمريكا"، كجزء من نمط أوسع لتصوير الدبلوماسية التعاونية داخل دول الجنوب العالمي على أنها إهانة مباشرة لهيمنة واشنطن السياسية والاقتصادية.
نتيجة لذلك، أكد قادة البريكس، الذين يمثلون تحالفًا من الاقتصادات الناشئة، التزامهم بنظام عالمي متعدد الأقطاب، وانتقدوا "الزيادة العشوائية للتعريفات الجمركية"، وهو توبيخ مبطن للسياسة التجارية الأمريكية.
ولتوضيح الأمر أكثر، أعلن لولا خلال الاجتماع أن العالم لا يحتاج ولا يريد "إمبراطورًا" يشكل التجارة العالمية وفقًا لمصالحه الفردية.
لكن في مواجهة بوادر تحول النظام العالمي، يبدو ترامب حريصًا على إعادة تأكيد التفوق الأمريكي من خلال سياسة صارمة. إلا أن خطوته الأخيرة قد تأتي بنتائج عكسية.
ترهيب البرازيل
تلفت "فورين بوليسي" إلى أن محاولة ترهيب البرازيل، أكبر دولة في أمريكا اللاتينية ورابع أكبر ديمقراطية في العالم، تُعدّ بمثابة تحذير لجميع دول البريكس "فهي تُخاطر بدفع البرازيل، أبرز أعضاء البريكس الذين عارضوا توسيع الكتلة العام الماضي لتشمل خصوم الولايات المتحدة مثل إيران وفنزويلا، إلى معسكر منافسي الولايات المتحدة مثل روسيا والصين".
وتشير إلى أنه "بالإضافة إلى كونها سياسةً سيئةً من منظور واشنطن، تُعدّ خطوة ترامب سياسةً سيئةً للغاية بالنسبة للمحافظين البرازيليين. فقد بدا لولا متهالكًا بشكل متزايد في النصف الثاني من ولايته الثالثة، إذ يُعاني من انقسامٍ في الكونجرس وانخفاضٍ قياسيٍّ في نسب التأييد. حتى أن بعض حلفائه ومستشاريه شكّكوا في ترشحه لإعادة انتخابه. لكن فجأةً، وبفضل ترامب، أصبح لديه رسالةٌ جديدةٌ مُلهمةٌ لتوحيد البرازيليين من جميع الأطياف: البرازيل دولةٌ ذات سيادةٍ لن تُقهر".
الأسبوع الماضي، قال الرئيس البرازيلي مُعربًا عن استيائه الشديد من إعلان ترامب عن الرسوم الجمركية الجديدة على مواقع التواصل الاجتماعي دون إشعار رسمي: "ألا يملك أيٌّ من أعضاء فريقه الحكمة الكافية ليشرح له ضرورة عدم إهانة دولة أخرى بهذه الطريقة؟".
وأضاف: "من غير المقبول أن تتجاوز المصالح الأجنبية السيادة البرازيلية".