تعيش إسرائيل حالة من الانقسام الداخلي والاستقطاب الشديد، خاصة مع تداول تصريحات لمسؤولين حكوميين عن قرب التوصل لاتفاق هدنة وإنهاء حالة الحرب على قطاع غزة واستعادة المحتجزين، ثم ما يلبث أن يعود الوضع إلى المربع صفر مرة أخرى، بعد ضغوط من الوزراء المتطرفين في حكومة "نتنياهو".
ورغم تاريخه العسكري والسياسي، فقد عكست تصريحات إيهود أولمرت، حجم الانقسام داخل إسرائيل بشأن السياسات المتبعة في غزة، وسط تحذيرات دولية متزايدة من جرائم حرب وعمليات تطهير عرقي، في ظل كارثة إنسانية غير مسبوقة يعيشها سكان القطاع المحاصر.
معسكر اعتقال
في تصريحات صادمة وغير مسبوقة من مسؤول إسرائيلي رفيع سابق، وصف رئيس الوزراء الإسرائيلي الأسبق إيهود أولمرت خطة الحكومة الإسرائيلية لإنشاء ما أسمته بـ"مدينة إنسانية" في قطاع غزة بأنها تمثل "معسكر اعتقال" وترقى إلى "تطهير عرقي" بحق الفلسطينيين.
وقال أولمرت في حديث لصحيفة الجارديان البريطانية، نُشر الأحد، إن الخطة تهدف إلى تجميع مئات الآلاف من الفلسطينيين في منطقة واحدة على أنقاض مدينة رفح جنوب قطاع غزة، دون السماح لهم بالخروج منها، ما يشكّل، بحسب قوله، "تفسيرًا لا مفر منه" للخطة بأنها ترحيل قسري يهدف إلى التخلص من سكان القطاع.
وأضاف: "إذا تم ترحيل الفلسطينيين إلى تلك المدينة الجديدة، فيمكن القول إن ذلك جزء من عملية تطهير عرقي، هذا معسكر اعتقال. هذه هي الحقيقة".
كان وزير الدفاع الإسرائيلي، يوآف جالانت، قد أعلن مؤخرًا عن المضي قدمًا في إقامة "منطقة إنسانية" في رفح الفلسطينية، من المفترض أن تحتوي على كامل سكان القطاع، وأفادت تقارير بأن سكان هذه المنطقة، حال دخولهم إليها، لن يُسمح لهم بالمغادرة، فيما تشمل الخطة الأكبر تشجيع "الهجرة الطوعية" للفلسطينيين خارج غزة، وهو ما وصفه خبراء قانون دولي بأنه ترحيل قسري وجريمة حرب.
وبحسب مصدر حكومي إسرائيلي، فقد ناقش رئيس الوزراء بنيامين نتنياهو الخطة مساء الأحد، وطالب بخفض تكلفتها وتسريع تنفيذها، بعد تقارير أشارت إلى أنها ستستغرق شهورًا وتتطلب مليارات الدولارات.
انقسام داخلي
وفيما شن مكتب رئيس الحكومة الإسرائيلية هجومًا على أولمرت، واصفًا إياه بـ"المجرم المدان الذي يسيء لإسرائيل على شاشات CNN"، تواصلت الانتقادات الداخلية، زعيم المعارضة يائير لابيد اعتبر أن الخطة مجرد محاولة من نتنياهو لإرضاء شركائه في الحكومة المتطرفة، وقال في بيان له: "يجب إنهاء الحرب وإعادة الأسرى بدلًا من الانجرار وراء أوهام متطرفة".
من جهته، حذّر المحامي الإسرائيلي المدافع عن حقوق الإنسان، مايكل سفارد، من أن الخطة تشكل عملية "نقل قسري تمهيدًا للترحيل"، وهو ما يعتبر جريمة حرب. وأضاف في حديث لـ"سي إن إن" أن تنفيذ هذه الخطط على نطاق واسع يمكن أن يُصنّف كجريمة ضد الإنسانية.
كان خبراء إسرائيليون قد حذروا وزير الدفاع ورئيس الأركان من أن المدينة الإنسانية في غزة ستشكل جريمة حرب، والذي قال بدوره خلال جلسة أمنية إن هذه الخطة غير قابلة للتنفيذ ومليئة بالثغرات.
أولمرت معارضًا
يُذكر أن إيهود أولمرت شغل منصب رئيس وزراء إسرائيل بين عامي 2006 و2009، وقاد عدوانًا واسعًا على قطاع غزة في نهاية 2008 فيما عُرف بـ"عملية الرصاص المصبوب"، وأسفر عن استشهاد أكثر من 1,400 فلسطيني، أغلبهم من المدنيين. لاحقًا، أُدين أولمرت بقضايا فساد وسُجن 16 شهرًا قبل أن يُفرج عنه عام 2017.
غير أن أولمرت، ومنذ بداية العدوان الأخير على غزة، اتخذ مواقف انتقادية حادة تجاه سياسات حكومة نتنياهو، واعتبر في تصريحات سابقة أن أفعال الجيش الإسرائيلي في غزة قد ترقى إلى جرائم حرب، قائلاً: "ما الذي يمكن أن يُطلق عليه غير ذلك؟".
ووفقًا لوزارة الصحة الفلسطينية، تجاوز عدد الشهداء في غزة منذ بداية الحرب 58,000 شخص، وتشهد مدينة رفح الفلسطينية دمارًا واسعًا، حيث تحولت إلى ركام بعد قصف مكثف خلال الأشهر الماضية.