* أحمد زكي موهبة متفردة ونور الشريف قال عنه أهم نجوم جيله
* كنت محظوظًا بعملي مع كبار النجوم وقدمت أكثر من 182 فيلمًا
* قررت الاعتزال في عمر الخمسين وأجلته للسبعين لكثرة العروض
بعيـنٍ لا تُخـطئ التفاصيل، وعدسةٍ تعرف تمامًا متى تلتقط اللحظة ومتى تتركها تمر، رسّخ سعيد الشيمي اسمه كأحد أعمدة التصوير السينمائي في مصر والعالم العربي، وواحد من القلائل الذين تحولت الكاميرا في أيديهم إلى أداة لرؤية الواقع، لا مجرد تسجيله.
لم يكن فقط مدير تصوير، بل صانع بصيرة، حمل مشروعًا فنيًا متكاملًا يقوم على الجمال والصدق والاشتباك مع الحياة، فكانت لقطاته في أشهر أفلام السينما المصرية بمثابة توقيعات بصرية لا تُنسى.
عبر عقود من العمل، ومن خلال أكثر من مئة فيلم روائي وعشرات الأعمال التسجيلية، استطاع "الشيمي" أن يمنح الصورة المصرية هوية جديدة، تنبض بالحرارة والصدق، وتترجم رؤيته العميقة للحياة والإنسان والمكان.
لم يكن يبحث عن الإبهار، بل عن الحقيقة، فخرج بالكاميرا من جدران الاستوديو إلى قلب الشارع، من الزيف إلى الواقع، ومن الزاوية التقليدية إلى زاوية تمتلك رأيًا ووجهة نظر، فقدم أشهر أفلام السينما المصرية مع كبار النجوم مثل عادل إمام ومحمود عبد العزيز ونور الشريف وأحمد زكي ومحمود ياسين وغيرهم الكثير لتتجاوز أعماله أكثر من 100 فيلم سينمائي، فهو لم يوثق لحظات فقط، بل وثّق وجدان أمة، وجعل من الصورة ذاكرة، ومن السينما مرآة ناطقة بالحقيقة.
في مبادرة جديدة تحتفي بالعطاء الفني للرواد، قررت إدارة مهرجان الإسكندرية السينمائي لدول البحر المتوسط استحداث جائزة تحمل اسم مدير التصوير والمخرج الكبير سعيد شيمي، وذلك لأفضل فيلم وثائقي عربي طويل، ضمن فعاليات الدورة الحادية والأربعين التي تنطلق في الفترة من 28 سبتمبر حتى 2 أكتوبر 2025.
في حديث خاص لموقع "القاهرة الإخبارية"، عبّر مدير التصوير والمخرج القدير سعيد الشيمي عن سعادته الكبيرة بإطلاق جائزة تحمل اسمه في المهرجان، إذ قال في مستهل حواره: "فوجئت تمامًا بإطلاق الجائزة، لم أكن على علم بها مسبقًا، وعلمت بها بالمصادفة عندما أخبرني الأستاذ الأمير أباظة، مهرجان الإسكندرية له مكانة خاصة في قلبي، فقد حضرت دورته الأولى في أغسطس عام 1997، وكان يُعرض خلالها فيلم ضربة شمس للفنان الكبير نور الشريف، الذي حصل وقتها على جوائز في الإخراج والتصوير والإنتاج".
أضاف "أنا أحب هذا المهرجان، وقد حصلت على جائزتين عام 2000، إحداهما دولية والأخرى محلية، وكنت أشارك دائمًا في فعالياته، وأقدّم فيه ندوات تعليمية في التصوير داخل الإسكندرية. لذلك، أُكنّ له تقديرًا خاصًا".
وعن إطلاق اسمه على جائزة لأفضل فيلم وثائقي عربي طويل، أوضح الشيمي: "إسهاماتي في مجال السينما التسجيلية هي السبب الرئيسي في هذا التكريم، حيث قدمت نحو 75 فيلمًا تسجيليًا، كما حصلت من قبل على جائزة الدولة كمخرج عن فيلم حكاية من الزمن الجميل الذي يتناول قصة بطل قومي من مدينة بورسعيد، لقد قدمت تاريخًا طويلًا".
وأضاف: "صحيح أنني معروف أكثر في مجال السينما الروائية وقدمت نحو 108 أفلام، إلا أن بدايتي كانت من خلال السينما التسجيلية، وقد عملت فيها كثيرًا. بدأت مازلت طالبًا في كلية الآداب، قبل أن ألتحق بمعهد السينما. تعاونت مع فرقة تمثيل وقدمت فيلمًا تسجيليًا عام 1965، ثم تعاونت في المرحلة الجامعية مع المخرج شادي عبد السلام في فيلمه الشهير المومياء عام 1970، الذي تم عرضه في معهد السينما. وقتها، كان شادي مدرس ديكور، وكانت تلك أولى تجاربه الإخراجية. الدكتور ثروت عكاشة، الذي كان يُعنى باكتشاف الشباب الموهوبين ومنحهم الفرص، وقد طلب مقابلتي في استوديو النحاس، وهناك أسند إليّ تصوير فيلم تسجيلي، رغم أنني كنت لا أزال طالبًا".
فتحت السينما التسجيلية الطريق لسعيد الشيمي للانتقال للسينما الروائية، قائلًا: "بعد تخرجي في معهد السينما عام 1971، عملت لمدة أربع سنوات في السينما التسجيلية، وكان أول فيلم أقدمه بعنوان بورسعيد 71. قدمت نحو 75 فيلمًا تسجيليًا، إلى جانب أعمال وثّقتها خلال حرب الاستنزاف وحرب أكتوبر، حيث كنت أصوّر متطوعًا. وخلال السنوات الأربع الأولى من مشواري، كنت أفوز كل عام بجائزة أفضل تصوير، وهو ما لفت أنظار السينما الروائية لي، لتبدأ رحلتي معها".
نقطة التحول
وتحدث الشيمي عن بداية مسيرته في السينما الروائية قائلًا: "أول أفلامي الروائية الاحترافية كان مع المخرج علي عبد الخالق، من خلال فيلم أغنية على الممر، ثم تعاونّا في فيلم بيت بلا حنان، وكان من بطولة نادية لطفي، جميل راتب، سمير صبري، هدى سلطان، وسعيد صالح. ولكنّ شهرتي الحقيقية جاءت من كسر قواعد التصوير التقليدية داخل الاستديوهات والبلاتوهات، حيث انتقلت إلى التصوير في الأماكن المفتوحة، في الشارع، لأنني نشأت على أسلوب السينما التسجيلية الذي يعتمد على سرعة التقاط اللحظة".
ويتابع: "صديقي المخرج محمد خان، وهو صديق طفولتي، آمن بي كثيرًا، وعندما عرض على نور الشريف سيناريو فيلم ضربة شمس، سأله: هتصور الفيلم ده إزاي؟، فردّ: سعيد الشيمي سيصوره، لأنه متدرّب كويس، وبالفعل، قمت بتصوير الفيلم، وكان بمثابة نقلة حقيقية، ليس فقط في أسلوب التصوير، بل في نوعية الموضوعات التي تُصوّر في مواقعها الطبيعية، بعيدًا عن الزيف. هذه المرحلة سُميت لاحقًا بـ"الواقعية الجديدة". وقدمت بعد ذلك نقلة مختلفة تمامًا في التصوير السينمائي تحت الماء".
العمل مع الكبار
عمل الشيمي مع كبار النجوم والمخرجين في فترة ذهبية يقول عنها: "أنا محظوظ لأنني عملت مع كبار المخرجين من أبناء جيلي مثل محمد خان، عاطف الطيب، أشرف فهمي، علي عبد الخالق، نادر جلال، محمد حكيم، وعمر عبد العزيز. في بداياتي، تعاونت مع مخرجين لم يكونوا مشهورين، لكن عملي معهم كان مميزًا. وكنا محظوظين أيضًا بوجود كُتّاب سيناريو عظماء مثل وحيد حامد، بشير الديك، وأسامة أنور عكاشة. كانت فترة الثمانينيات بحق زمنًا قويًا للسينما، حيث كان المجتمع يمر بتحولات كبرى، وكان هناك وعي فني ومعالجة حقيقية."
وعن قراره اعتزال العمل الفني، قال الشيمي: "كنت شخصًا نشيطًا جدًا ومطلوبًا باستمرار. وكنت قد اتخذت قرارًا أن أعتزل عند بلوغي سن الستين، لأن هذه المهنة شاقة، ولا يمكن أن تُبدع فيها إلا إذا كنت تحبها فعلًا، وأنا أحبها جدًا. لكن عندما وصلت إلى الستين، وجدت أن هناك طلبات كثيرة، فقررت أن أستمر حتى السبعين. وآخر فيلم قدمته كان عام 2009 بعنوان "فخفخينو" مع المنتج الراحل واصف فايز، الذي قدّم أشهر أعمال الفنان عادل إمام. هذا الفيلم كان آخر أعمالي، كما أنه كان آخر أفلام المنتج أيضًا، لأنه توفي قبل عرضه. وعندما عُرض الفيلم، لم أكن في مصر، بل كنت في عمّان، أُصوّر فيلمًا مع المخرج عادل الأعصر".
أحمد زكي.. موهبة استثنائية
وعن تعاونه مع كبار النجوم، أبدى الشيمي احترامه وتقديره للعديد من الفنانين الذين عمل معهم، مؤكدًا أن الفنان الراحل أحمد زكي يحتل مكانة خاصة لديه. قال: "رغم أنني عملت مع فنانين كبار وموهوبين مثل نور الشريف، عادل إمام، محمود عبد العزيز، وغيرهم، إلا أنني أرى أن أحمد زكي كان حالة فريدة واستثنائية. قدّمت معه نحو 10 أو 11 فيلمًا، منها البيضة والحجر، و4 في مهمة رسمية، والتخشيبة، والبرئ، وضد الحكومة، وأول فيلم جمعني به كان طائر على الطريق. في ذلك الوقت، لم يكن أحمد زكي نجمًا معروفًا، لكن المخرج محمد خان أصرّ على أن يُقدّمه في الدور، رغم رفض شركة الإنتاج. قام خان بتعديل السيناريو، وغيّر دور زوج الفنانة فردوس عبد الحميد، وتعاقدت الشركة مع الفنان الكبير فريد شوقي من أجل تسويق الفيلم. كنت أتعامل مع أحمد زكي لأول مرة، وكنت أوجه له ملاحظات مهمة أثناء التصوير".
واستطرد الشيمي قائلًا: "في أحد مشاهد التصوير، كنت مُعلّقًا بالكاميرا على سيارة يقودها أحمد زكي، وطلبت منه أن يُبطئ السرعة، لأن الوضع كان خطيرًا، لكنني اكتشفت أنه عندما يدخل في التصوير، يندمج تمامًا في الشخصية، وينفصل عن الواقع المحيط. كان يعيش الدور بصدق نادر. الفنان نور الشريف، رغم أنه كان يكبره سنًا ودرّس له في المعهد، قال عنه "أحمد زكي أعظم ممثل ظهر في جيلنا".