تشهد فرنسا اليوم، في عيدها الوطني، احتفالات استثنائية يشارك بها أكثر من 7000 جندي و200 حصان و102 طائرة ومروحية في العرض العسكري التقليدي على شارع الشانزليزيه، مع تكريم إندونيسيا كضيف شرف للمرة الأولى، بينما أعلن الرئيس إيمانويل ماكرون عن خطط طموحة لمضاعفة الإنفاق العسكري إلى 64 مليار يورو بحلول 2027.
إندونيسيا في المقدمة
ستكون إندونيسيا النجم الأبرز في احتفالات هذا العام، إذ سيفتتح العرض العسكري 450 عسكريًا إندونيسيًا بينهم 189 موسيقيًا من فرقة "جابونجان" للإيقاع، متقدمين حتى على فرقة الاستعراض الجوي الفرنسية الشهيرة، وفقًا لتقرير موقع "بي إف إم تي في" الفرنسي.
وأشار وزير الدفاع الفرنسي في بيان صدر في 8 يوليو إلى أن دعوة إندونيسيا تأتي احتفالًا بالذكرى 75 لإقامة العلاقات الدبلوماسية، لكنها تعكس أيضًا "إرادة سياسية واضحة" لتأكيد التزام فرنسا تجاه شركائها الإقليميين وقدرتها على الحفاظ على مكانتها في التوازنات الكبرى للقرن الحادي والعشرين.
وراء الاحتفالات الرسمية المرتقبة، تخفي الدعوة أهمية اقتصادية كبيرة، إذ وقّع البلدان خلال زيارة ماكرون لجاكرتا في مايو الماضي عقودًا تجارية بقيمة 17 مليار يورو مع شركات فرنسية مثل توتال إنرجيز وهيدروجين دو فرانس ومجموعة ليسافر، بحسب ما أفاد الإليزيه.
كما أعلن الرئيس الإندونيسي برابوو سوبيانتو عن نيته شراء المزيد من طائرات الرافال المقاتلة وغواصات سكوربين ومدافع سيزار والفرقاطات الخفيفة.
تسعى فرنسا أيضًا للاستفادة من الموارد المعدنية الإندونيسية، خاصة النيكل الذي تعتبر إندونيسيا أكبر منتج له عالميًا، الذي يُستخدم في صناعة بطاريات السيارات الكهربائية، حيث شاركت شركة إيراميت الفرنسية للتعدين في الوفد التجاري.
البرنامج المرتقب
وبدأت الاحتفالات في الساعة 9:55 صباحًا بالتوقيت المحلي بوصول الرئيس ماكرون إلى ساحة شارل ديجول، إذ قام بتكريم "لجنة الشعلة" التي تتولى منذ 100 عام مسؤولية إشعال شعلة الجندي المجهول يوميًا تحت قوس النصر، وعزف مقطوعة موسيقية خاصة بعنوان "كل نار.. كل شعلة".
وحسب صحيفة "لو باريزيان" الفرنسية، سيتضمن البرنامج عرضًا جويًا مذهلًا بمشاركة 60 طائرة فرنسية و5 أجنبية في الساعة 10:25 صباحًا، يتبعه عرض القوات البرية، حيث سيشارك أكثر من 5600 عسكري من مختلف الأسلحة والأجهزة الأمنية، وللمرة الأولى سيشارك شباب من مراكز الخدمة العسكرية التطوعية.
في الساعة 11:22 ستحلق 34 مروحية فوق الشانزليزيه، يتبعها عرض للمركبات العسكرية يشمل 155 مركبة و92 دراجة نارية، وسينتهي العرض بمرور 196 حصانًا من فوج الفرسان التابع للحرس الجمهوري في الساعة 11:42.
ستختتم الاحتفالات بعرض الألعاب النارية من برج إيفل في الساعة 11 مساءً، الذي سيشهد لأول مرة مشاركة 1000 طائرة مسيرة في عرض ضوئي مبهر سيستمر 35 دقيقة، مع تسليط الضوء على موضوعين رئيسيين، وهما البيئة احتفالًا بالذكرى العاشرة لاتفاقية باريس للمناخ، والثقافة البرازيلية ضمن موسم البرازيل-فرنسا 2025.
مضاعفة الإنفاق العسكري في "عصر المفترسين"
في خطاب مهم ألقاه عشية الاحتفال باليوم الوطني في حدائق وزارة الدفاع، أعلن الرئيس ماكرون عن خطط طموحة لزيادة الإنفاق العسكري الفرنسي إلى 64 مليار يورو بحلول عام 2027، أي ضعف ما كان عليه في عام 2017.
وبحسب تقرير صحيفة "بوليتيكو"، جاء هذا الإعلان في سياق ما وصفه ماكرون بـ"عصر المفترسين".
وقال "ماكرون" في كلمته أمام القيادات العسكرية: "لتكون حرًا في هذا العالم يجب أن تكون مخيفًا، ولتكون مخيفًا يجب أن تكون قويًا"، مضيفًا أن هذه الزيادة ستأتي من خلال "المزيد من النشاط والإنتاج" وليس من خلال الاقتراض.
وأوضح أن الميزانية الدفاعية ستزيد بـ3.5 مليار يورو في 2026 و3 مليارات في 2027، رغم أن رئيس الوزراء فرانسوا بايرو مطالب بتوفير 40 مليار يورو من التخفيضات الإجمالية في الإنفاق.
وسيتم تقديم قانون تخطيط عسكري محدث في الخريف، يهدف إلى زيادة مخزون الطائرات المسيّرة والذخائر والدفاع الجوي والحرب الإلكترونية.
رسائل سياسية وذكريات
وستركز احتفالات هذا العام على ثلاثة محاور رئيسية، وهي الذكرى المئوية المزدوجة لـ"لجنة الشعلة" ورمز "البلو الفرنسي" للتضامن الوطني، والتضامن الاستراتيجي مع الشركاء، ومشاركة الشباب.
ومن المقرر أن تختتم الاحتفالات بتشكيل الشباب العسكريون بأجسادهم شكل زهرة البلو الزرقاء، وهي الرمز الوطني الفرنسي لتكريم المحاربين القدامى والشهداء منذ عام 1925، أمام المنصة الرئاسية، مع عزف مقطوعة أصلية بعنوان "نفحة البلو".
جذور تاريخية
رغم أن الاحتفال يُعرف شعبيًا باسم "عيد الباستيل"، إلا أن العيد الوطني الفرنسي لا يحتفل مباشرة بأحداث 14 يوليو 1789 عندما اقتحم الباريسيون قلعة الباستيل في بداية الثورة الفرنسية.
بدلًا من ذلك، يحتفل رسميًا بـ"عيد الاتحاد" الذي أُقيم في 14 يوليو 1790، حيث تجمع 14 ألف جندي من الحرس الوطني و400 ألف باريسي في حفل كبير احتفالًا بالذكرى الأولى لسقوط الباستيل.
لم يصبح 14 يوليو عيدًا وطنيًا رسميًا إلا في عام 1880 في عهد الجمهورية الثالثة، عندما سعى النظام الجمهوري لبناء هوية وطنية جديدة حول الرموز الجمهورية.
وفي عام 1919، سار المارشالات فوش وجوفر وبيتان على ظهور الخيل عبر الشانزليزيه احتفالًا بالنصر في الحرب العالمية الأولى، وهكذا اتخذ العرض العسكري مقره الدائم في أشهر شوارع باريس.