الموقع الرسمي | القاهرة الاخبارية

من أجل النجاة السياسية.. كيف صنع نتنياهو من غزة "كارثة القرن"؟

  • مشاركة :
post-title
رئيس الوزراء الإسرائيلي بنيامين نتنياهو

القاهرة الإخبارية - أحمد صوان

بعد ستة أشهر من بدء العدوان على قطاع غزة، كان رئيس الوزراء الإسرائيلي بنيامين نتنياهو يفكر في إيقافه، بينما كانت المفاوضات جارية مع حركة حماس من أجل وقف إطلاق نار دائم.

وقتها، في أبريل 2024، كان نتنياهو مستعدًا للموافقة على تسوية، وأرسل مبعوثًا لنقل موقف إسرائيل الجديد إلى الوسطاء المصريين، لكن في اجتماع بوزارة الدفاع في تل أبيب، كان عليه إقناع حكومته بالموافقة، وكانت الفكرة هي الكشف عنها فجأة، ما يمنع الوزراء المعارضين من تنسيق ردهم.

ورغم مكاسب إنهاء الحرب، لكن بالنسبة لنتنياهو، فإن الهدنة جاءت أيضًا بمخاطر شخصية، إذ قاد ائتلافًا هشًا يعتمد على دعم وزراء اليمين المتطرف الذين أرادوا احتلال غزة، وليس الانسحاب منها، وسعوا إلى حرب طويلة من شأنها أن تمكن إسرائيل في النهاية من إعادة إنشاء المستوطنات اليهودية في القطاع.

إذا جاء وقف إطلاق النار مبكرًا جدًا، فقد يقرر هؤلاء الوزراء انهيار الائتلاف الحاكم وإجراء انتخابات مبكرة أظهرت استطلاعات الرأي أن نتنياهو سيخسرها، ووقتها سيكون عرضة للخطر، حيث يُحاكم بتهمة الفساد منذ عام 2020.

هكذا، إلى جانب إيتمار بن جفير، وزير الأمن القومي اليميني المتطرف، لقى الاقتراح معارضة شديدة من وزير ماليته بتسلئيل سموتريتش، الذي قال لنتنياهو بوضوح: "أريدك أن تعلم أنه إذا تم طرح اتفاقية استسلام كهذه، فلن يكون لديك حكومة بعد الآن".

و,فقًا لمحضر الاجتماع، فإنه "في تلك اللحظة، اضطر رئيس الوزراء للاختيار بين فرصة الهدنة وبقائه السياسي، فاختار البقاء".

لحظة مجد

رغم تصوير الحرب التي استمرت 12 يومًا مع إيران باعتبارها "لحظة مجد" لنتنياهو، تمثل تتويجًا للعودة الصعبة من أدنى نقطة في حياته السياسية الطويلة، لكن في أعقاب هذا الانتصار الظاهري، ينتظر نتنياهو حسابًا أكثر مصيرية بشأن الحرب في غزة، كما يشير تحليل لصحيفة "نيويورك تايمز".

يشير التحليل، الذي اعتمد على مقابلات مع أكثر من 110 مسؤولين إسرائيليين وأمريكيين وأجانب، واعتمد على عشرات الوثائق وبروتوكولات حماس ووثائق المحاكم، إلى أن امتداد الحرب وتوسعها كانا في صالح نتنياهو، فعندما بدأت الحرب في 7 أكتوبر، بدا أنها ستنهي مسيرة نتنياهو السياسية، لكن بدلًا من ذلك، استغلها لتعزيز حظوظه السياسية، في البداية لمجرد البقاء، ثم لتحقيق النصر بشروطه الخاصة.

يضيف: "غالبًا ما يكون سعيه الشخصي للسلطة متشابكًا بشكل لا ينفصم مع الاعتقاد الذي يملأ تصريحاته بأنه وحده يعرف أفضل طريقة للدفاع عن إسرائيل".

ويلفت التحليل إلى ما وصفه بـ "ثلاثة استنتاجات حتمية"، أولها أنه في السنوات التي سبقت الحرب، ساهم نهج نتنياهو تجاه حماس في تقوية الحركة، ما أتاح لها مساحةً للاستعداد سرًا للحرب، وفي الأشهر التي سبقت تلك الحرب، أدى سعي نتنياهو لتقويض القضاء الإسرائيلي إلى توسيع الانقسامات العميقة أصلًا داخل المجتمع الإسرائيلي وإضعاف الجيش، وبمجرد بدء الحرب كانت قراراته في بعض الأحيان متأثرة بالحاجة السياسية والشخصية بشكل كبير بدلاً من الضرورة العسكرية.

هكذا، في المراحل الرئيسية من الحرب، أدت قرارات نتنياهو إلى إطالة أمد القتال في غزة لفترة أطول مما اعتبرته القيادة العسكرية الإسرائيلية العليا ضروريًا.

أيضًا، تحت الضغط السياسي من حلفائه في الائتلاف، أبطأ نتنياهو مفاوضات وقف إطلاق النار في اللحظات الحاسمة، مفتقدًا الأوقات التي كانت حماس أقل معارضة فيها للاتفاق، ووفقًا للتحليل "تجنب التخطيط لانتقال السلطة بعد الحرب، ما جعل من الصعب توجيه الحرب نحو نهاية اللعبة، وواصل الحرب في أبريل ويوليو 2024، حتى عندما أخبره كبار الجنرالات أنه لا توجد ميزة عسكرية أخرى للاستمرار".

وعندما بدا أن الزخم نحو وقف إطلاق النار ينمو، نسب نتنياهو أهمية مفاجئة للأهداف العسكرية التي بدا في السابق أقل اهتمامًا بالسعي إليها، مثل الاستيلاء على مدينة رفح الفلسطينية.

من أجل النجاة

كانت تكلفة التأخير باهظة، فمع مرور كل أسبوع، كان التأخير يعني موت مئات الفلسطينيين ورعب آلاف آخرين، ودفع المدعين العامين في المحكمة الجنائية الدولية إلى المطالبة باعتقال نتنياهو، لكن بالنسبة له كانت المكافآت الفورية وفيرة، فقد جمع المزيد من السيطرة على الدولة الإسرائيلية أكثر من أي وقت مضى في فترة ولايته التي استمرت 18 عامًا رئيسًا للوزراء.

ويشير التحليل إلى أنه "حتى في أسوأ أيامه السياسية، كان نتنياهو يرسم طريقه نحو البقاء السياسي"، موضحًا أنه عقب عملية "طوفان الأقصى" بدأ التخطيط لغزو غزة، لكن في الخلفية، كان نتنياهو يعمل على كيفية ضم المزيد من الأحزاب إلى حكومته الائتلافية.

وطوال الأشهر الأولى من الحرب، كان بقاء نتنياهو مرهونًا بتحقيق توازن شبه مستحيل، إذ كان عليه أن يفعل ما يكفي لتهدئة الرئيس الأمريكي جو بايدن، الذي كان دعمه الدبلوماسي ومساعدته العسكرية أساسيين لإطالة أمد المجهود الحربي الإسرائيلي، مع عدم بذل جهد يُذكر لعزل اليمين المتطرف الذي اعتمد عليه نتنياهو في مسيرته السياسية.

أيضًا، منذ الأيام الأولى، سعى نتنياهو -علنًا وخلف الكواليس- جاهدًا لإلقاء اللوم في هجوم أكتوبر على المؤسسة الأمنية، وخلف الكواليس، واصل هو ومساعدوه المقربون مراقبة إرثه السياسي والبحث عن سبل لتقويض معاصريه، كما حاول مساعدوه منع تسريب المحادثات التي قد تُشكّل مشكلةً له.

يقول التحليل: "في البداية، أمروا الجيش بإيقاف تشغيل جهاز يُسجّل رسميًا اجتماعات نتنياهو والجنرالات، ولاحقًا في أكتوبر، نُقلت تلك الاجتماعات إلى غرفة أخرى خالية من أجهزة التسجيل الدائمة، ما سمح لمساعدي نتنياهو باستخدام أجهزتهم الخاصة لتسجيل الاجتماعات، مع منع الجيش من إجراء تسجيلاته الخاصة، كما أمر حراس نتنياهو بتفتيش الجنرالات، بمن فيهم رئيس أركان الجيش، بحثًا عن ميكروفونات مخفية".

ومع استمرار الحرب، بدت الحاجة إلى تحويل اللوم تزداد حدة، فسارع فريق نتنياهو إلى تشويه سمعة المتظاهرين المطالبين باتفاق دائم وصفقة لإطلاق سراح المحتجزين في وسائل الإعلام، في الوقت الذي لقى تشجيعًا من الرئيس العائد إلى البيت الأبيض، دونالد ترامب.

كارثة القرن

هكذا، خطوة تلو أخرى، تارة توسعة القتال ضد حماس، وأخرى تدمير أصول حزب الله في لبنان واغتيال قياداته، حتى وصل إلى محاولة تنفيذ حلمه الأكبر، وهو تدمير البرنامج النووي الإيراني -والذي أدى إلى القصف المتبادل- كان نتنياهو يكسب أرضًا ضد معارضيه.

لكن التحليل لفت إلى أنه "حتى لو أن انتصاره الظاهري في إيران أكسبه وقتًا وخيارات في إسرائيل، فإن أفعاله في غزة هي التي قد تُحدد إرث نتنياهو في الخارج، سواءً انتهت الحرب في غزة غدًا أو بعد بضعة أشهر، فقد أودت بالفعل بحياة أكثر من 55 ألف شخص. وشُرد ما يقرب من مليوني شخص، وتضررت أو دُمرت معظم المباني بالفعل، وانتشر الجوع على نطاق واسع، وأصبح البحث اليومي عن الطعام بمثابة فخ موتٍ مُرعب، حيث تُقتل مجموعات من المدنيين بانتظام عند اقترابهم من المواقع القليلة التي تُوزع فيها المساعدات".

يضيف: "مع تحول الصراع إلى حرب استنزاف، ومع تشكيك القادة الإسرائيليين في المنطق الكامن وراء استمرارها، كان نتنياهو هو من أطال أمدها، هو من رفض التخطيط لنقل السلطة بعد الحرب، وهو من أخر مرارًا وتكرارًا التوصل إلى وقف إطلاق النار خوفًا على بقائه السياسي".

وأكد: "ربط نتنياهو مصيره بأحلام المتطرفين الإسرائيليين وأطال أمد الحرب للحفاظ على دعمهم.. لقد أشرف نتنياهو على إحدى كوارث القرن الواحد والعشرين، ولكن بالنسبة له كانت هناك فائدة واحدة دائمة، وهي أنه نجا".