لعقود من الزمن، كان الشاغل الدولي الرئيسي بشأن البرنامج النووي الإيراني هو كيف يمكن لطهران استخدام موادها وتقنياتها وخبراتها النووية لإنتاج أسلحة نووية، لكن اليوم تزايدت المخاوف من تغيير النظام ووقوع هذه المواد في أيدٍ غير مسؤولة، وفق مجلة فورين بوليسي الأمريكية.
وأدى وقف إطلاق النار بين تل أبيب وطهران، بعد الحرب التي اندلعت في 13 يونيو الماضي واستمرت 12 يومًا، إلى تثبيط النقاش حول احتمال تغيير الحكومة الإيرانية، لكن لا تزال الشكوك قائمة حول التخفيف من التحدي طويل الأمد الذي يُمثله البرنامج النووي الإيراني.
تداعيات تغيير النظام الإيراني
وبحسب المجلة، إذا انهارت إيران فجأة، فإن منع وقوع هذه الموارد في الأيدي الخطأ سيكون مصدر قلق أكثر إلحاحًا.
في 22 يونيو، تساءل الرئيس الأمريكي دونالد ترامب: "إذا كان النظام الإيراني الحالي غير قادر على جعل إيران عظيمة مرة أخرى، فلماذا لا يكون هناك تغيير في النظام؟"، وجاء هذا التعليق وسط حملة عسكرية إسرائيلية واسعة النطاق، والتي على الرغم من أنها تهدف ظاهريًا إلى كبح البرنامج النووي الإيراني، إلا أنها كانت تهدف بوضوح أيضًا إلى إضعاف النظام وربما حتى انهياره.
وعلى الرغم من الجدل الحاد حول حجم الأضرار التي سببتها الضربات الإسرائيلية والأمريكية، إلا أن الحقيقة هي أن البنية التحتية النووية الإيرانية لم تُدمر بالكامل، ولا تزال تمتلك قدرات استخراج اليورانيوم ومفاعلات للطاقة النووية والأبحاث، بالإضافة إلى أي مواد أو تقنيات يمكن استخلاصها من مواقع التخصيب المتضررة، بما في ذلك نطنز وفوردو.
عجز واشنطن
في غياب مفتشين دوليين على الأرض، قد تضطر واشنطن إلى الاعتماد على قدراتها الاستخباراتية وقدرات حلفائها لتحديد أماكن المواد النووية الإيرانية وتقييم مدى ضعفها، إذ ينبغي عليها النظر في بذل جهد مماثل لجعل البرنامج النووي الإيراني آمنًا ومقاومًا للانتشار قدر الإمكان.
أيضًا، ينبغي على واشنطن وشركائها البدء بالتفكير في خيارات مصادرة أي مواد معرضة لخطر السرقة بشكل كبير، بما في ذلك تلك الموجودة لدى أفراد أمريكيين أو حلفائهم، ولن يكون هذا الخيار خاليًا من المخاطر، وستعتمد القدرة على تنفيذه على مجموعة من العوامل الأخرى، وفق تحليل "فورين بوليسي".
ونبه التحليل إلى أنه يجب على حكومات العالم النظر في تبادل المعلومات وتنبيه الحكومة الإيرانية الناشئة –حال تغير النظام- إذا اكتشفت ثغرات أمنية حادة في مواد نووية حساسة، وينبغي لها القيام بذلك بغض النظر عن الشكوك حول شرعية تلك الحكومة، أو مدى ديمقراطيتها أو موالاتها للولايات المتحدة.
استقطاب العلماء النووين
فيما أشار التحليل إلى أن العلماء النوويين الإيرانيين يتمتعون بخبرة تزيد على عقدين في بناء واختبار وتشغيل أجهزة الطرد المركزي، وهي تقنيات بالغة الأهمية لإنتاج مواد لصنع قنبلة نووية، محذرًا من أن بعضهم قد يكون عرضة للاستقطاب من جماعات إرهابية، أو دولة مهتمة بصنع قنبلة نووية.
في السنوات التي تلت انسحاب الولايات المتحدة من خطة العمل الشاملة المشتركة، صقل هؤلاء العلماء مهاراتهم في إنتاج معدن اليورانيوم، وهو نشاط ينطبق مباشرةً على بناء جهاز نووي، وأفادت تقارير بأن باحثين إيرانيين آخرين شاركوا في أبحاث وتجارب على أنظمة تفجير معينة ومحفزات نيوترونية، وهي خطوات مهمة لبناء قنبلة نووية.
وفي السنوات الأخيرة، قتلت إسرائيل بعض هؤلاء العلماء والباحثين، لكن المؤكد أنهم لم يقتلوهم جميعًا.
مصير اليورانيوم المخصَّب
لم تتمكن الوكالة الدولية للطاقة الذرية من الوصول إلى مخزونات أجهزة الطرد المركزي الإيرانية وقدرات التصنيع لسنوات قبل الضربة الأمريكية الأخيرة، ولم يتمكن المفتشون من الوصول إلى أي مواقع نووية إيرانية منذ 13 يونيو.
مع بدء القصف الإسرائيلي، إن لم يكن قبل ذلك، فمن المرجح أن إيران أخفت الكثير من هذه المواد والمعدات في مواقع آمنة متعددة، ولذا حذر التحليل من أن عدم وجود خط أساس واضح سيجعل من الصعب للغاية على المجتمع الدولي معرفة ما إذا كانت أي مواد أو تكنولوجيا قد فقدت أو سُرقت.
كارثة نووية وشيكة
الأمر الأكثر إثارة للقلق في هذا السيناريو هو مصير اليورانيوم عالي التخصيب، فرغم أنه ليس من الناحية التقنية يورانيوم صالح للاستخدام في الأسلحة (عادةً ما يُعرّف بأنه يورانيوم مخصب بنسبة 90% على الأقل)، إلا أن اليورانيوم الإيراني المخصب بنسبة 60% يمكن استخدامه في صنع قنبلة نووية بدائية.
ولأن إنتاج هذه المادة يُعدّ أصعب خطوة في صنع سلاح نووي، فإنه سيكون جذابًا للغاية لأي دولة أو جهة فاعلة غير حكومية مهتمة بالحصول على قنبلة نووية.
ويُعادل وزن 400 كيلوجرام من اليورانيوم عالي التخصيب في إيران وزن 20 زجاجة تبريد مياه تقريبًا، وهو مُخزّن في عبوات يُمكن تحميلها بسهولة على شاحنة.
ووفقًا للبيانات الرسمية، لا يزال الموقع الحالي لليورانيوم عالي التخصيب في إيران غير معلوم، مما يضع المجتمع الدولي أمام مهمة صعبة للبحث عنه في حال سقوط الحكومة.
نظراً لغياب الفهم الكافي بشأن المواد والقدرات النووية المتبقية لدى إيران، فإن الفوضى الحتمية التي ستصاحب أي تغيير في النظام قد تُشكل أخطر تحدٍّ للأمن النووي منذ سقوط الاتحاد السوفييتي، ستكون طبيعة المشكلة أشدّ حدةً بكثير مما كانت عليه.