في ظل متغيرات عالمية غير مسبوقة، يتخذ التعاون بين مصر والصين منحى أكثر عمقًا وشمولًا، وهو ما يبرز خلال الزيارة الرسمية التي من المقرر أن يجريها رئيس مجلس الدولة الصيني لي تشيانج إلى القاهرة في الفترة من 9 إلى 10 يوليو، التي تأتي مباشرة بعد مشاركته في قمة قادة مجموعة "البريكس" في ريو دي جانيرو، ما يمنحها بعدًا استراتيجيًا فريدًا يتجاوز الثنائية ليشمل السياق الإقليمي والدولي الأوسع.
توسيع آفاق التعاون
قال وانج جوانج دا، أمين عام مركز الدراسات الصيني العربي للإصلاح والتنمية، في تصريحات خاصة لموقع "القاهرة الإخبارية"، إن الصين ومصر تلعبان دورًا متزايد الأهمية في الحفاظ على السلم العالمي وتعزيز العدالة الدولية، لا سيما في ظل تفاقم الأزمات الجيوسياسية، مضيفًا أن البلدين بحاجة، أكثر من أي وقت مضى، إلى مواصلة تعزيز الدعم المتبادل وتوسيع آفاق التعاون.
وأشار إلى أن انضمام مصر أخيرًا إلى كل من منظمة شنجهاي للتعاون وتكتل "بريكس" يُعد خطوة مهمة عززت مكانة القاهرة على الساحة الدولية، وأسهمت في رفع صوت دول "الجنوب العالمي"، كما أن تعميق الثقة السياسية بين القاهرة وبكين وتكثيف التعاون في مختلف المجالات أفضى إلى نتائج ملموسة تخدم مصالح البلدين.
تعزيز الحوار السياسي
فيما ترى وانج شياو يو، نائبة مدير مركز دراسات الشرق الأوسط بجامعة فودان الصينية، أن زيارة لي تشيانج خطوة بارزة في إطار الدبلوماسية الصينية الجديدة في المنطقة، وتُظهر الاهتمام الصيني البالغ بتطوير العلاقات مع مصر كشريك استراتيجي وثيق، مشيرة إلى أن الزيارة ستعزز من الثقة السياسية والتنسيق الاستراتيجي بين الجانبين، بما يرسّخ دعائم الشراكة الاستراتيجية الشاملة.
وفي حديثها لموقع "القاهرة الإخبارية"، أكدت "شياو يو" أن القاهرة ركيزة أساسية في العلاقات الصينية العربية، وبوابة للتعاون مع إفريقيا. كما ستسهم هذه الزيارة في تمهيد الطريق أمام انعقاد القمة الصينية العربية الثانية العام المقبل، وتعزيز الجهود لبناء "مجتمع مصير مشترك صيني عربي" يقوم على التعاون المتكافئ والتنمية المشتركة.
"الحزام والطريق" و"مصر 2030"
من جانبه، قال الدكتور سون ده قانج، مدير مركز دراسات الشرق الأوسط في جامعة فودان، لموقع "القاهرة الإخبارية"، إن مصر لا تكتفي بدورها العربي والإفريقي، بل تُعد من أوائل الدول التي أقامت شراكة استراتيجية شاملة مع الصين، مشيرًا إلى أن القاهرة نقطة ارتكاز محورية لمبادرة "الحزام والطريق"، خاصة من خلال منطقة التعاون الصناعي المصري الصيني في محافظة السويس (تيدا)، التي أصبحت نموذجًا ناجحًا للتكامل الصناعي في القارة الإفريقية.
وتتلاقى أجندة التنمية المصرية المتمثلة في رؤية مصر 2030، مع أولويات الصين في مجالات الطاقة النظيفة، والتكنولوجيا المتقدمة، والصناعات التحويلية، ما يجعل الزيارة فرصة استراتيجية لدفع التعاون الثنائي نحو آفاق جديدة تشمل الذكاء الاصطناعي، والتحول الأخضر، والاقتصاد الرقمي.
نظام عالمي أكثر توازنًا
تأتي زيارة لي تشيانج في أعقاب مشاركته في قمة "بريكس"، التي انعقدت لأول مرة بعد توسيع عضوية التكتل لتشمل 11 دولة، بينها مصر، ما يكرّس الانتقال الفعلي نحو نظام عالمي متعدد الأقطاب.
وفي السياق ذاته، قالت الصحفية الصينية ليانج سوو لي، إن بكين تُعد من أبرز القوى الداعمة لهذا المسار، من خلال تعزيز التسويات بالعملات المحلية، وتوسيع نطاق التعاون التكنولوجي والاقتصادي، بما يعزز قدرة دول الجنوب على التعبير عن مصالحها بفاعلية.
وأكدت "سوو لي" لـ"القاهرة الإخبارية"، أن هذه الزيارة تعبر عن رؤية صينية جديدة للتعاون بين دول الجنوب، تقوم على التكافؤ وعدم التدخل، وتعكس التزام بكين بدفع التعاون نحو آفاق استراتيجية تتجاوز المصالح التقليدية إلى بناء تحالفات قادرة على التأثير في مستقبل النظام الدولي.