بعد 21 شهرًا من الحرب المدمرة في غزة، تشهد الساحة الدبلوماسية حراكًا متزايدًا مع لقاء رئيس الوزراء الإسرائيلي بنيامين نتنياهو والرئيس الأمريكي دونالد ترامب في واشنطن، الذي يُعد الثالث لهما منذ عودة الأخير إلى السلطة قبل ستة أشهر تقريبًا، وسط آمال متنامية بالتوصل إلى اتفاق وقف إطلاق نار في غزة.
وفي هذا الصدد، أعرب ترامب عن ثقته في إمكانية التوصل لاتفاق هذا الأسبوع، مشيرًا إلى أنه كان "حازمًا للغاية" مع نتنياهو بشأن إنهاء الحرب، وفقًا لما نقلته شبكة "بي بي سي" البريطانية.
ترامب يضغط
استؤنفت المفاوضات غير المباشرة بين إسرائيل وحماس في قطر مساء الأحد، حول اقتراح أمريكي لوقف إطلاق النار لمدة 60 يومًا مع صفقة لإطلاق سراح المحتجزين.
ووصف ترامب المحادثات بـ"الاقتراح النهائي"، وقال الأسبوع الماضي إن إسرائيل قبلت "الشروط الضرورية" لإنهائه.
وقال نتنياهو قبل صعوده الطائرة إلى واشنطن: "نحن نعمل على تحقيق الاتفاق الذي تمت مناقشته، في ظل الظروف التي اتفقنا عليها، وأعتقد أن المحادثة مع الرئيس ترامب، يُمكن أن تساعد بالتأكيد في تقديم هذه النتيجة التي نأمل فيها جميعًا".
وتشير صحيفة "وول ستريت جورنال" إلى أن المنطقة تبدو الآن ناضجة للدبلوماسية، إذ يسعى ترامب لتجسيد دوره كـ"رئيس للسلام"، كما وصفه وزير الخارجية ماركو روبيو.
تفاصيل الاقتراح الأمريكي
وفقًا لتقارير إعلامية نقلتها "بي بي سي"، يتضمن الإطار المقترح تسليم حماس 28 محتجزًا "10 أحياء و18 جثة" على خمس مراحل خلال 60 يومًا، دون احتفالات التسليم التي نُظّمت في وقف إطلاق النار الأخير.
وينص الاقتراح على زيادة كبيرة في المساعدات الإنسانية الداخلة إلى غزة، وبعد عودة أول ثمانية محتجزين أحياء في اليوم الأول، ستنسحب القوات الإسرائيلية من أجزاء من الشمال، وبعد أسبوع واحد، سيغادر جيش الاحتلال أجزاء من الجنوب.
وفي اليوم العاشر، ستحدد حماس المحتجزين الذين ما زالوا أحياء وحالتهم، بينما ستقدم إسرائيل تفاصيل عن أكثر من 2000 غزي اعتُقلوا خلال الحرب ويبقون في "الاعتقال الإداري".
زامير يدعم الصفقة
في تطور لافت، كشفت صحيفة "وول ستريت جورنال" عن مصادر تفيد بأن رئيس الأركان الإسرائيلي، الجنرال إيال زامير، أكد للحكومة أن مزيدًا من العمليات سيُهدد حياة المحتجزين، مشيرًا إلى أنه يفضل التحرك نحو صفقة لإطلاق سراحهم، حيث إن الفائدة من إضعاف حماس أكثر غير واضحة.
وتشير "بي بي سي" إلى تصريحات زامير، الأسبوع الماضي، التي قال خلالها إن الجيش يقترب من إنجاز أهداف الحرب، منوهًا بضرورة اتخاذ الحكومة قرارًا بالمضي قدمًا في صفقة لإعادة المحتجزين، أو الاستعداد لإعادة إقامة الحكم العسكري الإسرائيلي في غزة.
وتشير استطلاعات الرأي إلى أن ثلثي الإسرائيليين يؤيدون اتفاق وقف إطلاق النار لإعادة المحتجزين إلى الوطن، في ظل معارضة متزايدة للحرب في غزة، خاصة بعد مقتل أكثر من 20 جنديًا في الشهر الماضي، وفقًا لما أشارت إليه إذاعة جيش الاحتلال الإسرائيلي.
العقبات المتبقية
من جانبها، قالت حماس يوم الجمعة إنها ردّت "بروح إيجابية"، لكنها أعربت عن بعض التحفظات، وفقًا لما نقلته "بي بي سي".
وقال مسؤول فلسطيني إن نقاط الخلاف تبقى حول المساعدات الإنسانية، إذ تطالب حماس بإنهاء فوري لعمليات مؤسسة غزة الإنسانية المدعومة من إسرائيل وأمريكا، وعودة الأمم المتحدة وشركائها للإشراف على جميع جهود الإغاثة، كما تتساءل حماس عن الجدول الزمني لانسحاب القوات الإسرائيلية وعمليات معبر رفح.
مكتب نتنياهو أفاد، السبت الماضي، بأن التغييرات التي تريدها حماس "غير مقبولة" لإسرائيل.
وتبقى هناك عقبات جوهرية تحول دون التوصل لاتفاق نهائي، إذ اختلفت إسرائيل وحماس لعدة أشهر حول نقطة أساسية، وهي استعداد إسرائيل للالتزام بهدنة مؤقتة لإعادة المحتجزين، لكن ليس لإنهاء الحرب، بينما تطالب حماس بوقف دائم للأعمال العدائية في غزة وانسحاب كامل للقوات الإسرائيلية.
أوضاع إنسانية متدهورة
يعبر سكان غزة عن تفاؤل حذر وسط الظروف المعيشية الصعبة والقصف الإسرائيلي المستمر، إذ تنقل "بي بي سي" عن نبيل أبو دية، الذي نزح من بيت لاهيا شمال غزة إلى مدينة غزة مع أطفاله وأحفاده، قوله: "لا أتمنى هدنة، بل توقفًا كاملًا لكل الحرب، وصراحةً، أخشى أن تستأنف الحرب مرة أخرى بعد 60 يومًا".
وأضاف "أبو دية": "تعبنا من النزوح والعطش والجوع، من العيش في الخيام، وعندما يتعلق الأمر بضروريات الحياة، لدينا صفر"، وفقًا لما نقلته "بي بي سي".
وتشير التقارير التي نقلتها الشبكة البريطانية إلى أن الوضع في غزة استمر في التدهور، حيث يفيد الطاقم الطبي بوجود حالات سوء تغذية حاد بين الأطفال، وتقول الأمم المتحدة إنه مع عدم دخول الوقود لأكثر من أربعة أشهر، فإن المخزون نفد تقريبًا، مما يُهدد الرعاية الطبية الحيوية وإمدادات المياه والاتصالات.
ويخشى بعض السكان في غزة من أن الموجة الحالية من التفاؤل مُصطنعة لتخفيف التوتر خلال رحلة نتنياهو إلى أمريكا، مبرّرين ذلك بأن هذا حدث في مايو، عندما استعد ترامب لزيارة دول الخليج العربي.