تسبَّب إضراب المراقبين الجويين الفرنسيين، الذي استمر يومين، في تعطيل أكثر من ألف رحلة طيران، وإلحاق خسائر مالية فادحة بشركات الطيران الأوروبية، تُقدَّر بالملايين من اليوروهات؛ مما أثار موجة غضب عارمة في قطاع الطيران ضد السُلطات الفرنسية والأوروبية.
كشف مايكل أوليري، الرئيس التنفيذي لشركة "رايان إير"، في تصريحات لصحيفة "بوليتيكو"، عن حجم الكارثة المالية التي تسبب بها الإضراب، قائلًا: "كان الوضع أفضل لو لم أكن مضطرًا لإلغاء 400 رحلة طيران و70 ألف مسافر، فقط لأن مجموعة من المراقبين الجويين الفرنسيين يريدون القيام بإضرابات ترفيهية".
وأضاف أوليري أن الإضراب "مكلف للغاية بالنسبة لنا، حيث يكلفنا ملايين اليوروهات"، مؤكدًا أن المشكلة الحقيقية ليست في نقص المراقبين الجويين، بل في أن "السُلطات الفرنسية لا تديرهم بشكل جيد".
من جانبه، أكد بنجامين سميث، الرئيس التنفيذي لمجموعة الخطوط الجوية الفرنسية الهولندية، خلال مؤتمر صحفي، أن الإضراب "باهظ التكلفة للغاية" ويُشكّل "صورة فظيعة لفرنسا أمام العملاء في بداية موسم العطلات الصيفية، القادمين إلى هذا البلد الرائع ليواجهوا رحلات متأخرة أو مُلغاة".
وقال سميث: "مثل هذه الإضرابات المتكررة لا نراها في باقي أنحاء أوروبا".
أسباب الإضراب
تشير صحيفة "لوموند" الفرنسية إلى أن الإضراب، الذي استمر يومي الخميس والجمعة، اندلع بسبب خلافات بين نقابتين والمديرية العامة الفرنسية للطيران المدني حول قضيتين رئيسيتين، وهما نقص الموظفين، وإدخال نظام بيومتري جديد لمراقبة حضور المراقبين الجويين في العمل.
دعت نقابة "أونسا-إيكنا"، ثاني أكبر نقابة للمراقبين الجويين في فرنسا، إلى الإضراب، وانضمت إليها نقابة "يوساك-سي جي تي"، ثالث أكبر نقابة.
وبحسب وكالة الأنباء الفرنسية، شارك حوالي 270 مراقبًا من أصل 1400 مراقب في الإضراب يوم الخميس، واشتكت النقابات لفترة طويلة من النقص الهيكلي في موظفي المراقبة الجوية.
مخاوف أمنية وسوابق خطيرة
تكشف الوثائق الرسمية أن نقص الموظفين لعب دورًا مباشرًا في حادث كاد أن يؤدي إلى تصادم بين طائرة تابعة لشركة "إيزي جيت" وطائرة خاصة في مطار بوردو في ديسمبر 2022، إذ وجد المحققون الفرنسيون أن ثلاثة مراقبين فقط كانوا يعملون في البرج وقت الحادث، بدلًا من الستة المطلوبين حسب جدول المناوبات الرسمي؛ مما يؤكد مخاوف النقابات حول الأمان.
وجَّه أوليري انتقادات لاذعة لرئيسة المفوضية الأوروبية، أورسولا فون دير لاين، والاتحاد الأوروبي، لفشلهما في حماية الرحلات الجوية العابرة لفرنسا خلال الإضرابات.
وقال لـ"بوليتيكو": "من غير المبرر أن أقوم اليوم بإلغاء رحلات من أيرلندا إلى إيطاليا، ومن ألمانيا إلى إسبانيا، ومن البرتغال إلى بولندا".
وأكد أن 360 رحلة من أصل 400 رحلة ملغاة، أي 90% منها، "كان بإمكانها العمل لو أن المفوضية حمت الرحلات العابرة، كما تفعل إسبانيا وإيطاليا واليونان أثناء إضرابات المراقبة الجوية".
واتهم أوليري فون دير لاين بالنفاق، قائلًا: "فون دير لاين والمفوضية أقاموا ضجيجًا كبيرًا أثناء البريكست حول ضرورة حماية السوق الموحدة، وأن السوق الموحدة مقدسة ولا يُسمح لأي شيء بتعطيلها، إلا إذا كنت مراقبًا جويًا فرنسيًا، يمكنك إغلاق السماء فوق فرنسا".
ووصف أوليري فون دير لاين بـ"السياسية عديمة الفائدة" التي "تفضل الجلوس في مكتبها في بروكسل والتحدث عن اتفاقيات التجارة الأمريكية أو أي شيء آخر، أي شيء عدا اتخاذ إجراءات فعّالة لحماية رحلات المسافرين في العطلات".
ودعا أوليري فون دير لاين إلى الاستقالة ما لم تتمكن من إصلاح نظام المراقبة الجوية الأوروبي.
رد المفوضية الأوروبية
لم ترد المفوضية الأوروبية على تصريحات "رايان إير"، لكن المتحدثة باسم النقل، آنا كايسا إيتكونين، أكدت أن قضايا المراقبة الجوية "على رادار المفوضية".
وأضافت خلال مؤتمر صحفي: "لكن المراقبة الجوية، وفقًا للتشريعات الدولية والأوروبية، تقع تحت مسؤولية الدول الأعضاء والبلدان عمومًا".
وأشارت إيتكونين إلى أن المفوضية "تقر تمامًا بالحق المشروع للإضراب في الدول الأعضاء، لكنها قضية يجب التعامل معها بشكل أوسع"، ردًا على سؤال حول طلبات شركات الطيران للسماح بالطيران فوق البلدان أثناء الإضرابات.