الموقع الرسمي | القاهرة الاخبارية

عاطف الطيب.. انحاز للبسطاء فخلّدته السينما المصرية

  • مشاركة :
post-title
عاطف الطيب

القاهرة الإخبارية - إيمان بسطاوي

لم يتعامل المخرج المصري عاطف الطيب مع الكاميرا كأداة تسلية، بل كوسيلة مقاومة ومجهر فاضح للوجع الإنساني والظلم الاجتماعي، فكان "الطيب" أشبه بمرآة للمجتمع المصري، يرصد آلام الناس من قلب الشارع، ويعيد تقديمها بحس إنساني عميق وصدق نادر، فهو صاحب مدرسة سينمائية اختارت أن تمشي عكس التيار وتدافع عن المهمشين.

في الذكرى التاسعة والعشرين لرحيله، نفتح دفتر حياة عاطف الطيب، الذي ظل حتى لحظة وفاته صوتًا صادقًا لكل من لا صوت لهم.

وُلد عاطف الطيب في محافظة سوهاج (جنوب مصر) في 26 ديسمبر عام 1947 وتخرج في المعهد العالي للسينما – قسم الإخراج عام 1970. خلال فترة دراسته عمل مساعدًا للمخرج مدحت بكير في فيلمي "ثلاثة وجوه للحب" و"دعوة للحياة"، كما عمل مساعدًا للمونتير كمال أبو العلا.

بعد التخرج، التحق بالخدمة العسكرية، وهناك أخرج أول أفلامه القصيرة بعنوان "جريدة الصباح" عام 1973، ثم شارك كمساعد مخرج مع شادي عبد السلام في فيلم "جيوش الشمس" الذي تناول وقائع حرب أكتوبر.

عاطف الطيب وبشير الديك ومحمد خان
تكوين وخبرة عالمية

قبل أن يضع اسمه كمخرج مستقل، اكتسب الطيب خبرة واسعة بالعمل مع عدد من كبار المخرجين المصريين والعالميين.

في عام 1978 أخرج فيلمًا تسجيليًا بعنوان "المقايضة"، ثم عمل مساعدًا للمخرج العالمي لويس جيلبرت في فيلم "The Spy Who Loved Me"، كما شارك في أفلام أخرى مثل "جريمة على النيل" للمخرج جيلر، و"الصحوة" لمايكل بنويل، و"توت عنخ آمون" لفيليب ليلوك، و"أبوالهول" لفرانكلين شافنر.

عمل أيضًا مع يوسف شاهين في فيلم "إسكندرية.. ليه؟" عام 1979، ومع محمد شبل في فيلم "أنياب" عام 1981، وكلها تجارب صقلت أدواته وأثرت بصيرته البصرية والدرامية.

السينما مرآة للناس

ارتبط اسم عاطف الطيب بما يُعرف في النقد الفني بـ"الواقعية الجديدة"، إذ نقل الكاميرا من الاستوديوهات إلى قلب الشارع، ومن الحكايات المصنوعة إلى تفاصيل الحياة كما هي، إذ كان منحازًا بشكل واضح للمواطن البسيط وقضاياه اليومية.

أفلامه كانت دومًا صوتًا للناس، ومأوى لأحلامهم ومخاوفهم، ولذا لم تكن تمر مرور الكرام، بل تثير الجدل، وتفتح النقاش، وتطرح الأسئلة.

علامات مضيئة

رغم رحيله المبكر، فإن عاطف الطيب ترك قائمة طويلة من الأفلام التي تُعدّ من أهم ما قدّمته السينما المصرية، منها:

سواق الأتوبيس (1982)، الحب فوق هضبة الهرم (1986)، البرىء (1986) – الفيلم الذي مُنع من العرض لسنوات، كتيبة الإعدام (1989)، الهروب (1991) – الذي يعد من أبرز أفلامه وأجرأها، ضد الحكومة (1992) الذي صرخ فيه بجملته الشهيرة على لسان بطل العمل "كلنا فاسدون"، ناجي العلي (1992)، دماء على الأسفلت، التخشيبة، الزمار، أبناء وقتلة، ملف في الآداب، إنذار بالطاعة، كشف المستور، البدرون، الدنيا على جناح يمامة، وليلة ساخنة.

لم يكن "الطيب" فنانًا غاضبًا كما وصفه البعض، بل إنسان موجوع، يرى في السينما وسيلة لقول الحقيقة وليس وسيلة هروب منها، وتناولت أفلامه قضايا الفقر والفساد وتناقضات السلطة، لكنها كانت دائمًا محمّلة بحس إنساني شفيف، وعاطفة جياشة تنفذ مباشرة إلى قلب المتلقي.

رحيل صادم وفيلم لم يكتمل

في 23 يونيو 1995، وبينما كان يعمل على فيلمه الأخير "جبر الخواطر"، وافته المنية بعد أزمة صحية مفاجئة، ليرحل في قمة عطائه، ويترك الفيلم ليُستكمل من قِبل المونتير أحمد متولي.

رحل "الطيب" قبل أن يواصل مشروعه السينمائي الثوري، لكنه بقي حيًا بأفلامه، التي كلما عُرضت بدت وكأنها صُنعت اليوم، لما تحمله من صدق ووعي وإنسانية.

بعد مرور قرابة ثلاثة عقود على وفاته، لا تزال أفلامه تُعرض، وتُناقش، وتُدرّس، كواحدة من أكثر التجارب السينمائية صدقًا وجرأة في تاريخ الفن العربي، فهو المخرج الذي لم يُجامل، ولم يُهادن، واختار دومًا أن يرفع الكاميرا في وجه القبح، وأن ينتصر للجمال في أكثر لحظات الواقع قسوة.