الموقع الرسمي | القاهرة الاخبارية

سميحة أيوب في آخر حواراتها لـ"القاهرة الإخبارية": احترم تاريخي وأرفض الظهور من أجل المال

  • مشاركة :
post-title
سميحة أيوب

القاهرة الإخبارية - إيمان بسطاوي

أسدل الستار على فصل فريد من فصول الفن العربي برحيل الفنانة القديرة سميحة أيوب، أيقونة المسرح، وواحدة من أعظم مَن وقفوا على الخشبة بإيمان العاشق الذي لم يساوم يومًا على القيمة أو يتنازل أمام الإغراء لم تكن مجرد ممثلة، بل كانت مشروعًا ثقافيًا متكاملًا، حملت على عاتقها قضايا الفن، وساهمت بصوتها ووجودها ومواقفها في صياغة صورة المسرح المصري والعربي لعقود طويلة.

طوال مسيرتها، كانت سميحة أيوب حالة استثنائية في المشهد الفني، تجمع بين الحس القيادي والبصمة الإبداعية، فاستحقت عن جدارة أن تُلقب بـ"سيدة المسرح العربي"، وأن يُطلق اسمها على الدورة الـ17 من مهرجان المسرح القومي المصري، تكريمًا لمشوار من العطاء والنقاء الفني.

وفي آخر حواراتها الصحفية مع موقع "القاهرة الإخبارية"، فتحت قلبها وتحدثت بصراحة عن الفن والمسرح والذاكرة، كاشفة عن رؤيتها العميقة لما آل إليه حال الساحة الفنية، موضحة أسباب غيابها الأخير، وحقيقة موقفها من العودة إلى المسرح، وتفاصيل أخرى عن الشخصيات التي شكّلت محطات فارقة في مسيرتها.

"غيابي عن الفن ليس انسحابًا"، هكذا عبّرت عن غيابها وابتعادها عن الساحة الفنية في السنوات الأخيرة، إذ قالت سميحة أيوب إنها لم تنسحب من الفن، لكنها ترفض الظهور من أجل الظهور فقط، موضحة: "المسألة لا تتعلق بالمال، بل باحترام تاريخي، حيث لم أجد عملًا يليق بمشواري الطويل، ولذلك فضّلت الغياب على أن أقدّم شيئًا لا يضيف لي".

لم تُخفِ سيدة المسرح العربي إحساسها بأن الزمن تغير، وأن كثيرًا من القيم التي كانت تميّز الوسط الفني قد تراجعت، مضيفة: "في الماضي، كنّا نجتمع يوميًا لساعات، نبني الشخصيات ونتناقش في تفاصيل العمل، بينما الآن كل شيء يُكتب ويُنفذ على الهواء، والبروفات أصبحت نادرة، والموضوعات لا تمس كل الناس".

أدوار لا تُنسى

رغم تعدد الأدوار التي قدمتها على مدار رحلتها، رفضت سميحة أيوب أن تختزل رحلتها في عمل أو اثنين، قائلة: "كل عمل له بصمته، وكل دور كان مرحلة في حياتي".

قصة حياتي

كشفت سميحة أيوب خلال حوارها الأخير أنها وثّقت مشوارها الفني والإنساني في كتاب بعنوان "ذكرياتي"، وأبدت استعدادها لتحويله إلى عمل درامي، مشيرة إلى أن الفنانة حنان مطاوع هي الأنسب لتجسيد شخصيتها، قائلة: "حنان تمتلك جدية وثقافة، وعلى المستوى الشخصي إنسانة ممتازة، وستنقل شخصيتي بأمانة".

تحدثت سميحة أيوب عن واقع المسرح اليوم، مؤكدة أنه ما زال يعاني من نقص الإمكانيات المادية، وهو ما يدفع الكثير من الفنانين للعزوف عنه، لكنها في الوقت ذاته ترى أن هناك من لا يزالون يعشقونه ويدفعون من جيوبهم لأجله، وقالت: "المسرح انعكاس للواقع، يتأثر بما نعيشه، ولأنه فقير الآن، نرى من يهربون منه، لكن بعض العشاق يصرون على الاستمرار رغم كل شيء، لأنهم لا يرونه وظيفة بل شغف".

رغم ارتباط الفنانة الراحلة الوثيق بالمسرح، أعلنت سميحة أيوب في حوارها رفضها التام للعودة إليه مجددًا، مؤكدة: "قدمت ما يكفي، لن أعتليه مجددًا، ليس لأنني كرهته، ولكن لأنني أحببته بما يكفي لأكتفي، الآن لم يعد الزملاء يعاملون المسرح بالقداسة التي كنا نعاملها به، صار بالنسبة لهم آخر ما يفكرون فيه، بينما كنت أترك السينما من أجله، وأدفع من جيبي ليستمر".

الفن لا يُلقّن

رغم موهبة الفنانة الراحلة لكن لم يرث أحد من أبنائها شغف الفن، إذ إن حفيدها ظهر إلى جانبها في تكريمها بمهرجان المسرح القومي، إلا أن أيوب أكدت أنه لا يمتلك ميولًا فنية، مشيرة إلى أن حب الفن لا يُفرض أو يُلقّن، بل هو "نداء داخلي"، قائلة: "لم ألحظ لديه ميولًا فنية، وهذا أمر لا يحتاج إلى تحفيز، فكل إنسان حر في اختياراته، والفن لا يأتي بالإلحاح، بل بالحب الحقيقي".

كما سبق أن تحدثت عن المخرجين الذين شكّلوا وجدانها الفني، وأبرزهم إبراهيم الصحن، يحيى العلمي، نور الدمرداش، فخر الدين صلاح، صلاح أبو سيف، بركات، فطين عبد الوهاب، عز الدين ذو الفقار، ومحمود ذو الفقار، مضيفة: "كل منهم علّمني شيئًا.. والذكريات معهم لا تنسى".

تهميش الكبار

انتقدت سميحة أيوب التهميش الذي يتعرض له كبار الفنانين، قائلة: "لا توجد أدوار تليق بعد سن الخمسين، كأننا توقفنا عند الأربعين فقط، الممثلون الكبار يحتاجون إلى أدوار ناضجة، لكن الكاميرا أصبحت لا تفضل إلا الوجوه الملساء والبشرة المشدودة، وكأن الفن صار مرتبطًا بالشكل لا بالخبرة".

برحيل سميحة أيوب، تفقد الساحة الفنية قامة نادرة الوجود، وضميرًا فنيًا ظل يحافظ على خطه المستقيم حتى النهاية، ورغم حزن الفقد، سيظل اسمها محفورًا في ذاكرة المسرح والدراما والسينما، وستبقى قصتها ملهمة لكل من آمن بأن الفن رسالة، وأن الوقوف على الخشبة ليس دورًا بل قدر.