على مدار أكثر من 3 سنوات كانت هناك قرارات بالحياة وأخرى بالموت تحاك في تل أبيب، لإطلاق حملة منظمة لاغتيال العلماء الذين شكلوا نواة لمشروع إيران النووي، إذ لم تكن الضربة الإسرائيلية، فجر 13 يونيو الجاري، مجرد عملية عسكرية فحسب، بل خطة محكمة بدأت ما يعرف بـ"منتدى قطع الرؤوس".
منتدى قطع الرؤوس
وتحدث مسؤول استخباراتي إسرائيلي يدعى "يوتام" (اسم مستعار)، حسب صحيفة "يديعوت أحرونوت" العبرية، وهو مسؤول الفرع النووي الإيراني في المجال التكنولوجي بجهاز الاستخبارات العسكرية الإسرائيلي، عن تفاصيل غير مسبوقة حول عملية تصفية علماء إيرانيين نوويين بارزين.
وأُطلق على الفريق المسؤول عن التخطيط اسم "منتدى قطع الرؤوس"، وكان يضم نحو 20 ضابطًا من خبراء التكنولوجيا والاستخبارات، بدأوا منذ عام 2022 بوضع لائحة المستهدفين ضمن مشروعٍ يحمل الاسم الرمزي "عملية نارنيا"، وهدفهم تفكيك قمة الهرم العلمي لمجموعة الأسلحة الإيرانية.
وجاءت الشرارة التي حرّكت الأحداث في 26 مايو الماضي، عندما أعلن فريدون عباسي، الرئيس السابق لمنظمة الطاقة الذرية الإيرانية، في مقابلة تلفزيونية، أن إيران تمتلك القدرة على إنتاج سلاح نووي، وأنها لم تفعل ذلك لأسباب سياسية فقط، متناقضًا بذلك مع الرواية الإيرانية الرسمية.
قال عباسي أيضًا: "إذا طُلب مني تصنيع القنبلة، سأفعل"، وهذا التصريح، بحسب "يوتام"، ساعد في تأكيد مكان عباسي في قمة قائمة الموت، وهو الذي نجا من محاولة اغتيال عام 2010، وكان يعتبر خبيرًا في الإشعاع والنيوترونات، وهو علم حاسم في إطلاق التفاعل النووي.
كيف اختيرت الأهداف؟
أوضح "يوتام" أن المعيار الأساسي لاختيار العلماء المستهدفين هو مدى تأثير غيابهم في قدرة إيران على تطوير السلاح النووي.
وأضاف في هذا الصدد: "المعرفة هي القلب النابض لأي مشروع نووي، ضرب من لا يمكن تعويضهم هو السبيل لتعطيل المشروع بأقل الخسائر".
وتم تصنيف العلماء إلى أربع درجات (A, B, C, D)، مع التركيز على الفئة "A" ذات الأولوية القصوى، ومن بين أكثر من 100 عالم، تم اختيار 10 فقط للضربة الافتتاحية، بينهم أربعة من الفئة "A"، أبرزهم عباسي، إلى جانب أكبر مطاليزادة (كيميائي)، سعيد برجي (هندسة مواد)، ومنصور عسكري (فيزيائي).
واعتمدت الاستخبارات الإسرائيلية على مواد كانت قد سرقتها من الأرشيف النووي الإيراني عام 2018، إضافة إلى معلومات حديثة جُمعت على مدار العامين الماضيين، وبتعاون مع باحثين وتقنيين وأكاديميين إسرائيليين، احتوت على خطط لتجربة نووية إيرانية في عام 2003.
ضربة جوية مزدوجة
ليلة الضربة، تم تنفيذ هجوم جوي معقد استهدف العلماء في منازلهم ومكاتبهم، بالتوازي مع ضربات ضد قيادات عسكرية إيرانية، بهدف شل قدرة النظام على الرد السريع، ويقول أحد الضباط حول ذلك: "إذا اندلعت حرب، فلتبدأ إيران وهي منحنية الظهر".
قبل العملية، تم تدمير أكثر من 40 بطارية دفاع جوي غرب إيران لفتح ممر جوي للهجمات المتكررة، بدعم من التفوق الجوي الإسرائيلي بعد معارك في سوريا ولبنان، وسقوط نظام الأسد.
داخل المنتدى، كانت النقاشات حامية حول هوية من يستحقون إدراجهم في القائمة ومن يمكن تعويضه منهم.
وفي هذا الصدد، قال يوتام: "كنا نعلم أن هناك ثمنًا إنسانيًا، لذلك اخترنا الأهداف بعناية، فقط من يجب ضربهم، وصيغت القرارات النهائية بإجماع ثلاثي، ثم قُدّمت للقيادة العسكرية والسياسية".