الموقع الرسمي | القاهرة الاخبارية

هلع الهجوم الروسي.. مستشفيات دول البلطيق "حصون حربية"

  • مشاركة :
post-title
تحول مستشفيات دول الناتو الشرقية إلى حصون حربية تحسبًا لهجوم روسي

القاهرة الإخبارية - سامح جريس

تستعد دول حلف شمال الأطلسي "الناتو" على الجبهة الشرقية (دول البلطيق) لسيناريو الحرب بخلال تحويل أنظمتها الصحية إلى آلة حربية مدربة، في ظل تصاعد التهديدات الروسية عقب الغزو الشامل لأوكرانيا، بداية من تخزين معدات الصدمات الجماعية إلى تجهيز المسعفين بدروع واقية، إذ لم تعد خطط الصحة الحربية مجرد افتراضات نظرية على الجناح الشرقي للحلف بل صارت خطوات عملية.

تدريبات عسكرية

خلال التدريبات العسكرية "الذئب الحديدي" في مدينة يونافا الليتوانية، عاشت المسعفة مارتينا فيرونيكا نوريكايتي تجربة مرعبة عند وصولها لموقع انفجار وهمي، إذ تصف "نوريكايتي" لصحيفة "بوليتيكو" اللحظة قائلة: "عندما ترى ما حدث - الذعر والصراخ - لا تعرف ماذا تفعل أو إلى أين تذهب. تنسى كل شيء وتفقد توازنك".

هذه التدريبات التي تشمل الجيش والشرطة ورجال الإطفاء والمستشفيات والمسعفين هدفها إعداد ليتوانيا لأسوأ السيناريوهات، وهي هجوم على الجناح الشرقي لحلف الناتو، إذ تخطط ليتوانيا لسبعة تدريبات مع الجيش وأكثر من 10 تدريبات للأمن المدني للمهنيين الطبيين هذا العام، وفقًا للمتحدث باسم وزارة الصحة يوليانوس جاليشانسكيس.

استثمارات ضخمة

تستثمر دول البلطيق (هي ثلاث دول مطلة على بحر البلطيق شمال أوروبا.. إستونيا ولاتفيا وليتوانيا) بكثافة في تطوير قدراتها الطبية الحربية، ففي إستونيا، خصصت الحكومة 25 مليون يورو لمعدات الإصابات الجماعية، بما في ذلك معدات العظام والعُاصبات ومجموعات الصدمات، وفقًا لوزيرة الصحة رينا سيكوت، كما تحصل طواقم الإسعاف على دروع واقية للجسم، وسيتم توزيع هواتف الأقمار الصناعية للحفاظ على الاتصالات في حالة فشل الشبكات التقليدية.

يؤكد راجنار فايكنيميتس، نائب المدير العام لمجلس الصحة الإستوني لـ"بوليتيكو": "نحن نعلم على وجه اليقين أن روسيا تستهدف البنية التحتية المدنية وهياكل الطاقة"، لذا يتم تركيب مولدات كهربائية عبر نظام الرعاية الصحية تيمنًا بتجربة أوكرانيا.

وفي لاتفيا، تُطلب من مؤسسات الرعاية الصحية الاحتفاظ بإمدادات أدوية لثلاثة أشهر منذ كوفيد-19، إذ تقول سكرتيرة الدولة في وزارة الصحة أجنيسي فالولييني: "لم أفكر أبدًا أنني سأقول شكراً لكوفيد، لكن شكرًا لكوفيد... وجدنا موارد مالية".

تطوير المستشفيات وإعادة التصميم

يطور مستشفى جامعة فيلنيوس "سانتاروس كلينيكس" بإستونيا، الواقع على بُعد 50 كيلومترًا من الحدود مع بيلاروسيا، إمكانياته حتى يتمكن من العمل حتى لو انقطعت إمدادات الكهرباء أو المياه، وذلك عن طريق بنية تحتية تحت الأرض وملاجئ ومواقع هبوط للمروحيات وأنظمة مستقلة.

يشير "فايكنيميتس" نائب المدير العام لمجلس الصحة الإستوني، إلى أن العديد من المستشفيات في أوروبا الشرقية معرضة بشكل خاص للخطر: "لدينا مبانٍ عالية، مباني كبيرة. إنها في مجمع واحد"، لذلك تبحث المستشفيات في إعادة تجهيز الأقبية لتكون غرف عمليات عند الحاجة، مضيفًا: "لا أستطيع أن أتخيل العمل في المستوى العلوي للمستشفى منتظرًا أن أتعرض للضرب".

بينما يبلغ معدل الدول الأوروبية 11.5 سرير عناية مركزة لكل 100 ألف من السكان، يحذّر المستشار الخاص في المديرية النرويجية للصحة بيورن جولدفوج من أن "احتياجات زمن الحرب قد تتطلب من ثلاثة إلى خمسة أضعاف هذه السعة".

تحديات بشرية واستعداد نفسي

يواجه النظام الصحي في دول البلطيق تحديًا كبيرًا في الموارد البشرية، ففي إستونيا البالغ عدد سكانها 1.3 مليون نسمة، تمتلك نصف القوى العاملة الصحية للفرد مقارنة بألمانيا، إذ تكشف دراسة استقصائية ليتوانية أن أكثر من ربع العاملين الصحيين قد يفرون خلال الحرب، بينما أقل من 40% سيبقون وثلث غير متأكدين.

عندما دخلت روسيا في الحرب مع أوكرانيا، اضطرت المسعفة الليتوانية نوريكايتي لتوقيع إعلان يفيد بأنها ستبقى وتعمل إذا اندلعت الحرب في ليتوانيا، قائلة: "شخصيًا، ليس لدي أطفال أو عائلة بعد، لذا أعتقد أنني سأبقى". يتوقع "فايكنيميتس" أنماطًا مماثلة في إستونيا، مشيرًا إلى أن نحو 50% إلى 60% من السكان لا يعرفون بعد كيف سيستجيبون.

في لاتفيا، قال طبيب الرئة رودولفس فيلدي إن بعض الأطباء يفكرون في الفرار إذا اندلعت الحرب، خاصة الآباء الذين.. "لا يرون كيف سيكون من المناسب لهم ترك الأطفال في مكان ما والوجود في المستشفى في أوقات الأزمة العسكرية".

التعلم من التجربة الأوكرانية

يسافر بعض المسعفين إلى أوكرانيا للتعلم مباشرة كيف تتعامل المستشفيات مع الضربات الصاروخية والإصابات الجماعية، إذ تطوعت الممرضة فايفا يانكيني، منسقة في "الطب الأزرق الأصفر"، أكثر من 20 مرة في أوكرانيا منذ أبريل 2022 - بما في ذلك في بلدة بوتشا المنكوبة.

تصف "يانكيني" حجم الإصابات في أوكرانيا بأنه "صعب الفهم"، فالعديد من الجروح لا تشبه أي شيء شوهد من قبل: "بعد هجمات الطائرات المسيرة، العواقب يصعب تخيلها".

بينما قد يقوم طبيب الصدمات في ليتوانيا بإجراء عملية بتر واحدة في السنة، في أوكرانيا تمتلئ أجنحة المستشفيات بأكملها بالمرضى الذين يعانون بترات متعددة إضافة إلى إصابات شديدة أخرى.

الاستعداد لموجة اللاجئين والنزوح

تأثير الحرب لن يتوقف عند الحدود الوطنية، بل وبسبب استخدام الأسلحة المتطورة في أوكرانيا، بما في ذلك الصواريخ بعيدة المدى والطائرات المسيرة العسكرية، لم تعد الخطوط الأمامية حدودًا ثابتة، ما يعرّض المستشفيات والبنية التحتية المدنية بعيدًا عن مناطق القتال للخطر.

يجب على الدول الأبعد عن الخطوط الأمامية الاستعداد لاستقبال المرضى واللاجئين، كما يحذّر يوس يوستين، المستشار الطبي في دائرة العمل الخارجي الأوروبية، من أن تضامن الاتحاد الأوروبي سيُخضع للاختبار.

ويضيف أن الضحايا قد تكون أعلى بشكل كبير من أوكرانيا: "هؤلاء الـ4000 مريض الذين نقلناهم من أوكرانيا في ثلاث سنوات، دعونا نتحدث عن 4000 في أسبوعين، ثم الأسبوعين التاليين مرة أخرى".

وكما يقول دانيال ناوموفاس، نائب وزير الصحة الليتواني: "لدينا جيران سيئون هنا: روسيا وبيلاروسيا"، مشيرًا إلى أن بلاده تربط الناتو بدول البلطيق عبر ممر سوفالكي الضيق والضعيف الذي يُنظر إليه كأحد أكثر الأهداف احتمالًا لهجوم روسي مستقبلي.