بعد سنوات من الانحسار التدريجي لدور المسرح العربي، بفعل هيمنة الدراما التلفزيونية ومنصات البث الرقمي، تعود وزارة الثقافة المصرية لتضع المسرح في قلب أولوياتها، مدفوعة برؤية جديدة تراهن على "نجوم الصف الأول"، من السينما والتلفزيون كجسر حيوي يعيد الجمهور إلى مقاعد العرض.
وفي خطوة تعد من أبرز ملامح هذه الاستراتيجية، تعاقدت الوزارة مع الفنان المصري محمد هنيدي، أحد أكثر نجوم الكوميديا شعبية في العالم العربي، لتقديم عرض مسرحي على خشبة "مسرح بيرم التونسي" بالإسكندرية بعد إعادة تأهيله وتطويره ضمن خطة تستهدف نقل العروض من مركز العاصمة إلى الأقاليم تحقيقًا لـ"العدالة الثقافية".
يأتي هذا التعاون في أعقاب إعادة تقديم مسرحية "الملك لير"، للفنان القدير يحيي الفخراني، ما يشير إلى توجه واضح نحو إحياء المسرح المصري بروح جماهيرية معاصرة، تستند إلى ثقة الجمهور في نجومه واحتياجه إلى فن مباشر يلامس الواقع ويخاطب الوجدان، فهل تنجح هذه المقاربة الجديدة في إعادة المسرح إلى دائرة الضوء؟
منبر ثقافي مؤثر
يقول الناقد المصري طارق الشناوي لموقع "القاهرة الإخبارية": "من الجيد أن نشهد النجم الكبير يحيي الفخراني يعود مرة أخرى لتجسيد رائعة "الملك لير"، ولعل الأجمل أن يقف الفنان محمد هنيدي للمرة الأولى على خشبة مسرح الدولة بعد أن كان طوال ربع قرن من أبناء المسرح الخاص، لكننا نطمح أن ندرك أن المشكلة أعمق من مجرد استقطاب نجم أو إعادة عرض عمل كلاسيكي، فالجوهر الحقيقي للنهضة المسرحية يكمن في خلق مناخ إبداعي صحي ووجود إدارة ثقافية وواعية قادرة على تسليط الضوء على المسرح كما كان الحال في الستينيات والسبعينيات".
يضيف: "لقد تقلص حضور المسرح بشكل ملحوظ وهذا لا يمكن تفسيره فقط بضعف الإنتاج أو قلة النجوم بل وجود إشكاليات بنيوية وثقافية أعمق تحتاج إلى قرارات جريئة ورؤية استراتيجية شاملة، ونحن بالتأكيد سعداء بعودة الفخراني ومتحمسون لتجربة هنيدي، ولكن ما نحتاجه فعلًا هو إصلاح جذري يفتح الأبواب أمام جميع الطاقات ويعيد للمسرح مكانته كمنبر ثقافي وفني مؤثر في المجتمع".
حراك جماهيري
يؤكد المخرج المسرحي نادر صلاح الدين لموقع "القاهرة الإخبارية"، أن استضافة نجوم كبار أمثال محمد هنيدي ويحيي الفخراني على خشبة مسرح الدولة تمثل خطوة بالغة الأهمية في طريق إنعاش المسرح وإعادة جماهيريته.
ويضيف: "وجود أسماء لامعة في هذه المسارح يعيد توجيه الأنظار إليها ويسهم في خلق حراك جماهيري واسع، فعندما يصعد فنان بحجم هنيدي إلى مسرح الدولة يُقبل عليه جمهور واسع وربما للمرة الأولى يتعرف على أماكن تلك المسارح، هذه الحركة تنشط المشهد وتعيد للمكان أهميته وتثير فضول فئات جديدة من المتفرجين".
الفصل بين مسرحي الدولة والقطاع الخاص
يرى المخرج المصري أن تطوير المسرح المصري يتطلب فهمًا دقيقًا للفصل بين طبيعة مسرح الدولة ومسرح القطاع الخاص، حيث تختلف التحديات باختلاف طبيعة كل منهما، ففي القطاع الخاص تكمن الأزمة الكبرى في ارتفاع أجور النجوم ما يؤدي إلى زيادة أسعار التذاكر بشكل يحد من قدرة الجمهور على الحضور ويجعل الإنتاج المسرحي مخاطرة تجارية غير مضمونة.
ويوضح: "الوضع مختلف تمامًا في مسرح الدولة، إذ يخضع لأطر قانونية ولوائح تنظم الأجور والإنتاج، ورغم أن الأجر قد يكون أقل من نظيره القطاع الخاص، فإن موافقة نجم بحجم هنيدي أو الفخراني على العمل ضمن منظومة الدولة تعد تضحية مادية في سبيل دعم كيان ثقافي يحظى باحترام الجمهور وثقته".
واختتم حديثه: "في ظل حالة الركود التي يعيشها المسرح، يعد مسرح الدولة هو البيئة الأنسب لعودة النشاط المسرحي، ليس فقط لأنه أقل تكلفة بل لأنه أيضًا يقدم مضمونًا محترمًا وجاذبًا ويتيح فرصة حقيقية لإعادة بناء العلاقة بين الجمهور والمسرح".
حالة انتعاش
فيما يشير المخرج المسرحي عصام السيد إلى أن المسرح يعيش حالة من الانتعاش الحقيقي، إذ يقول: "الفنان يحيي الفخراني قدّم أعمالًا مسرحية كثيرة وله حضور راسخ في مسرح الدولة ولا يمكن وضعه في التصنيف نفسه مع من يخوضون أولي تجاربهم المسرحية، أما بالنسبة للفنان محمد هنيدي فمشاركته للمرة الأولى تعد خطوة مهمة، وتأتي في توقيت يشهد فيه المسرح حالة من الانتعاش الحقيقي".
ويضيف: "الإقبال الجماهيري على المسرح يشير إلى وجود تعطش للفن المسرحي وهذه ظاهرة إيجابية للغاية، ورغم أن المسرح لا يزال بحاجة إلى مزيد من التطوير والدعم، فإن هذه المبادرات والمشاركات تمثل خطوات جيدة على الطريق الصحيح".
ليس بالأسماء فقط
فيما تقول الناقدة المصرية سامية حبيب لموقع "القاهرة الإخبارية ": "الحديث المتداول أخيرًا عن عودة نجوم الصف الأول إلى خشبة المسرح، مثل محمد هنيدي و يحيى الفخراني، ليس في جوهره أمرًا جديدًا، بل هو استمرار لمسار قائم منذ عقود، حيث اعتاد بعض نجوم السينما والتلفزيون الذين يحبون المسرح أن يقدموا أعمالًا في القطاع الخاص. هذه الظاهرة لها جمهورها، ولها منطقها الانتاجي والفني المعروف، لكنها ليست مؤشرًا كافيًا للحديث عن نهضة مسرحية شاملة".
وتابعت: "ما يُثير الانتباه اليوم هو لجوء هؤلاء النجوم إلى مسرح الدولة، وهو ما يطرح تساؤلات مشروعة، خصوصًا في ظل ما يعلن من تعاقدات كبرى أو إعادة عروض مثل الملك لير، التي تعود للمرة الرابعة بنفس البطل، ولكن بفريق جديد، ونحن لا نستطيع الحكم على هذه التجربة قبل أن تعرض، لذا لا يجوز التسرع في إطلاق أحكام قبل المشاهدة الفعلية".
واختتمت حديثها: "سؤالي هو: أين المسرح المصري؟ هل هو موجود فعلًا كمؤسسة قائمة تنتج وتمول وتطور؟.. لدينا تجارب مهمة تقدم الآن من دون أسماء نجوم لامعة، لكنها تحقق حضورًا فنيًا وفكريًا وجماهيريًا لافتًا، مثل مسرحية كارما على مسرح الطليعة، أو "سجن النسا" على مسرح السلام، تثبت أن المسرح يمكن أن ينجح بأدواته الفنية الخالصة، لا بالرهان على الأسماء وحدها".