نفذت إسرائيل أوسع عملية عسكرية في تاريخها ضد إيران فجر الجمعة، باستخدام 200 طائرة مقاتلة أسقطت 330 قذيفة متنوعة على أكثر من 100 هدف في جميع أنحاء البلد الفارسي، وفقًا لما ذكرته المتحدثة باسم الجيش الإسرائيلي، إيفي ديفرين.
وبحسب صحيفة "نيويورك تايمز"، أسفرت العملية عن تدمير مواقع نووية حيوية ومقتل علماء نوويين بارزين، لكن الجزء الأكبر من البرنامج النووي الإيراني، وخاصة المخزون الاستراتيجي من اليورانيوم المخصب، بقي سليمًا.
دمار واسع في نطنز
شهدت منشأة نطنز، أكبر مركز لتخصيب اليورانيوم في إيران، دمارًا واسعًا، حيث دمرت الضربات الإسرائيلية موقعًا لإنتاج الوقود النووي فوق الأرض ومراكز الإمداد الكهربائي، وأظهرت مقاطع فيديو أن المنشأة كانت لا تزال تنبعث منها الأدخنة بعد ساعات من الهجوم.
وأكد رافاييل جروسي، المدير العام للوكالة الدولية للطاقة الذرية، للصحيفة الأمريكية أن "المنشأة تعرضت لأضرار جسيمة"، مشيرًا إلى وجود "تلوث كيميائي وإشعاعي" في الموقع.
لكنه أضاف أن "القاعات الجوفية التي تحتوي على أجهزة الطرد المركزي الحديثة والقوية لم تتعرض للاختراق"، مما يعني أن جزءًا مهمًا من القدرات الإنتاجية للمنشأة قد يكون قابلًا للاستخدام.
لغز كبير
الأمر الأكثر إثارة للدهشة، وفقًا لتحليل "نيويورك تايمز"، هو أن إسرائيل تجنبت عمدًا استهداف المخزون الاستراتيجي من اليورانيوم المخصب بنسبة 60% والمحفوظ في مجمع أصفهان الواسع، والذي يُعتبر "المسار الأسرع لإيران لإنتاج ترسانة نووية صغيرة".
هذا المخزون، الذي تتم مراقبته من قبل مفتشي الوكالة الدولية للطاقة الذرية، يُخزن في مجمع خارج العاصمة القديمة أصفهان.
وأوضح جروسي أن المفتشين "رأوا الوقود هناك مؤخرًا" أثناء إجراء الجرد النهائي للتقرير الفصلي حول قدرات إيران النووية.
وفي الموجة الثانية من الهجمات، استهدفت قوات الدفاع الإسرائيلية مختبرات في أصفهان تعمل على "تحويل غاز اليورانيوم إلى معدن، وهي إحدى المراحل الأخيرة في بناء السلاح النووي"، لكن دون المساس بمنطقة تخزين الوقود النووي.
قرار مدروس أم قلق من كارثة إشعاعية؟
يعتقد الخبراء أن تجنب إسرائيل لاستهداف مخزون الوقود النووي كان قرارًا مدروسًا، إذ يرى جون وولفستال من اتحاد العلماء الأمريكيين أن "عدم قصف إسرائيل لمنشأة إنتاج اليورانيوم المعروفة في أصفهان يشير إلى قلق نتنياهو من أن القصف قد يسبب حادثًا إشعاعيًا ".
وتشير الصحيفة إلى أن قصف موقع تخزين الوقود "لن يؤدي إلى انفجار نووي، لكنه قد يطلق الوقود في البيئة، مما يخلق خطرًا إشعاعيًا، ويحول منشأة أصفهان إلى قنبلة قذرة".
وأظهر التاريخ حساسية إسرائيل الشديدة لخطر إطلاق المواد المشعة، حيث قصفت مفاعل أوزيراك العراقي عام 1981 قبل وضع الوقود فيه، وفعلت الشيء نفسه مع منشأة في سوريا بناها الكوريون الشماليون.
تبرير نتنياهو
وأكد رئيس الوزراء الإسرائيلي بنيامين نتنياهو في تصريحاته أن "إيران أنتجت ما يكفي من اليورانيوم المخصب لتسع قنابل ذرية"، مُشيرًا إلى أن الخبراء الآخرين يضعون الرقم عند 10 قنابل، "لكن العدد الفعلي يعتمد على مدى كفاءة الإيرانيين في إنتاج رأس حربي أو قنبلة".
وأضاف أن إيران "اتخذت في الأشهر الأخيرة خطوات لم تتخذها من قبل، خطوات لتحويل هذا اليورانيوم المخصب إلى أسلحة"، محذرًا من أنها قد تنتج سلاحًا نوويًا "في غضون عام، أو خلال أشهر قليلة، أو أقل من عام".
اغتيال العلماء
واصلت إسرائيل حملتها طويلة المدى لاستهداف الخبرات النووية الإيرانية، إذ أفادت التقارير الإيرانية بمقتل عالمين نوويين بارزين، الأول هو محمد مهدي طهرانجي، الفيزيائي ورئيس الجامعة الإسلامية الحرة في طهران، التي "ارتبطت طويلًا بالعمل في برامج إيران النووية والصاروخية".
أما الثاني فهو فريدون عباسي، الرئيس السابق لمنظمة الطاقة الذرية الإيرانية، والذي كانت "إسرائيل قد حاولت قتله من قبل وفشلت"، ففي نوفمبر 2010، أثناء ذروة هجمات "القنابل اللاصقة" الإسرائيلية، أصيب عباسي بجروح بالغة عندما تفاعل فورًا مع صوت القنبلة المغناطيسية على باب سيارته وسحب نفسه وزوجته من السيارة قبل أن تصيبهما كرة النار.
وبحسب الصحيفة الأمريكية، فإن عباسي "خرج من تلك الهجمة أكثر تصميمًا من أي وقت مضى على متابعة البرنامج الإيراني"، وأصبح لعدة سنوات "الوجه العام للبرنامج" كرئيس لمنظمة الطاقة الذرية الإيرانية، حيث قدم للعالم تأكيدات بأن اهتمام بلاده بالتكنولوجيا النووية "سلمي تمامًا"، وأن جميع الأدلة التي قدمها المفتشون الدوليون حول وجود مشروع رؤوس حربية نشط في إيران "جزء من جهد تلفيق إسرائيلي لتبرير هجوم مستقبلي على المنشآت النووية الإيرانية".
وكان عباسي "من بين الأوائل الذين لقوا حتفهم عندما بدأت تلك الضربات".
منشأة فوردو المحصنة
مع تضرر منشأة نطنز الرئيسية، تواجه إيران خيارات محدودة لمواصلة برنامجها النووي، إذ يشير جروسي إلى أن "أفضل رهان لإيران هو نقل الوقود إلى منشأة التخصيب الأصغر في فوردو، المدفونة عميقًا تحت جبل في قاعدة للحرس الثوري الإيراني"، والتي يقدر عمقها بـ"800 متر تحت الأرض، مما يجعلها على الأرجح محصنة ضد الأسلحة الإسرائيلية المخصصة لتدمير المخابئ".
وأشار التقرير إلى أن "إدارة ترامب أوضحت أنها لن تنضم إلى الهجمات، والتي ستشمل استخدام الأسلحة الضخمة لتدمير المخابئ التي طورتها الولايات المتحدة للقضاء على المواقع المدفونة عميقًا في إيران وكوريا الشمالية".
وبحسب بعض التقارير، فإن إسرائيل قد تحاول على أي حال، حيث "كانت هناك مؤشرات على القصف في منطقة المنشأة الجبلية مساء الجمعة".