بعد أكثر من 100 عام على اكتشاف المقبرة، يفتح المتحف المصري الكبير صفحة جديدة في الحكاية الذهبية للملك الذهبي، وفي لحظة تاريخية طال انتظارها يستعد العالم لموعد استثنائي مع أعظم كنوز القدماء المصريين، حين يفتح المتحف المصري الكبير أبوابه، 3 يوليو المقبل، ليقدم للجمهور ولأول مرة المجموعة الكاملة لمقتنيات الملك الشاب توت عنخ آمون، في عرض غير مسبوق يجمع ما كان مشتتًا في المخازن والمتاحف، وما لم يُعرض يومًا أمام أعين العالم.
هنا، لا يتعلق الأمر بمجرد عرض أثري بل برحلة مبهرة إلى قلب الحضارة المصرية، يسردها المتحف على مساحة 7000 متر مربع، ليعيد صياغة قصة الملك الصغير الذي عاش ومات شابًا، لكن موته كشف عن واحدة من أضخم الحكايات الأثرية، التي أسرت العالم على مدار قرن كامل.
5398 قطعة تحكي سيرة الفرعون الصغير
تُعرض مقتنيات توت عنخ آمون، الآن كما لم تُعرض من قبل، لتضم 5398 قطعة أثرية ذهبية وأسطورية، من بينها التوابيت والمقاصير، والمجوهرات النادرة، والملابس الملكية، والأسلحة، والعجلات الحربية.
ويقول الدكتور عيسى زيدان، مدير عام مركز الترميم ونقل الآثار بالمتحف المصري الكبير لـ"القاهرة الإخبارية"، إن هذه الكنوز خضعت لواحدة من أدق وأعقد عمليات الترميم والنقل في تاريخ مصر الحديث، تمت وفق ترتيب زمني دقيق، يبدأ من عصور ما قبل الأسرات ويمر بكل مراحل تطور الحضارة المصرية حتى العصرين اليوناني والروماني.
عرض 3392 قطعة لأول مرة
منذ اكتشاف المقبرة عام 1922، ظل الكثير من مقتنيات الملك مُخزنة في أقبية متحف التحرير ومخازن الأقصر، فلم يُعرض منها سوى 2006 قطع فقط.
ويقول "زيدان": أما الآن، فالجمهور سيكون على موعد مع 3392 قطعة تُعرض لأول مرة داخل قاعة ضخمة صممت لتقدم رؤية متكاملة لعالم توت عنخ آمون، داخل قاعة لا تكتفي بالتوثيق، بل تقدم "رحلة روحية وبصرية" داخل الحياة اليومية للملك، كما يقول القائمون على المشروع.
البطل المنسي في قصة الاكتشاف
وراء كل اكتشاف عظيم بطل غير متوقع، فبينما يعرف الجميع اسم البريطاني هوارد كارتر، الذي قاد أعمال التنقيب في وادي الملوك، يغيب غالبًا اسم الطفل المصري حسين عبدالرسول، الذي كان يعمل في خدمة فريق التنقيب وهو في الـ12 من عمره.
يروي الدكتور زاهي حواس، أن "حسين" بينما كان ينقل الماء للعمال لاحظ تغيرًا في أرضية الوادي في أثناء وضع "الزير"، ليكتشف بذلك مدخل المقبرة، لحظة خلدها التاريخ، لكنها لم تنصف الطفل الذي لعب دورًا محوريًا في فتح واحدة من أهم الصفحات الأثرية خلال القرن العشرين.
المتحف الكبير.. أكثر من مجرد مبنى
يفتح المتحف المصري الكبير الواقع على مقربة من أهرامات الجيزة أبوابه ليقدم تجربة غير مسبوقة، تتجاوز مفهوم "المعرض التقليدي" إلى "الفضاء الثقافي الشامل"، إذ يتلاقى العلم والفن والتكنولوجيا في سرد بصري ومعرفي متكامل يعيد تقديم حضارة مصر القديمة بلغتها المعاصرة.
قاعة توت عنخ آمون، التي ستكون محط أنظار العالم، ليست فقط أكبر عرض أثري مخصص لملك واحد في التاريخ، بل تمثل ذروة سنوات من العمل والبحث والترميم والنقل، لتكون شاهدة على التزام مصر بجعل آثارها رسالة عالمية.
حين تحكي الكنوز عن الأسرار
في كل قطعة من مقتنيات توت عنخ آمون، هناك حكاية، وتاريخ، ودهشة لا تنتهي، ومع عرض المجموعة الكاملة للمرة الأولى، تتحول هذه الكنوز إلى وثيقة حية، لا تكتفي بإبهار العيون، بل تعيد تأكيد عظمة حضارة لا تزال تسحر العالم وتدفعه إلى التساؤل والإعجاب.