الموقع الرسمي | القاهرة الاخبارية

نجاح الموجي.. النجم الذي صاغ شخصياته بخفة ظل وعمق إنساني

  • مشاركة :
post-title
نجاح الموجي

القاهرة الإخبارية - محمود ترك

لم يكن نجاح الموجي مجرد ممثل عابر في المشهد الفني العربي، بل كان مزيجًا فريدًا من خفة الظل والعمق الإنساني، فنانًا استطاع أن ينسج من أدواره شخصيات أصبحت جزءًا من الذاكرة الجمعية للمصريين، وفي ذكرى ميلاده الـ80، التي تحل اليوم 11 يونيوـ يعود اسمه ليتردد مرة أخرى، احتفاءً بمسيرة فنية قلّما يجود بها الزمن.

بدأ نجاح الموجي رحلته من خشبة المسرح، ولم يكن يتوقع أن شخصية ثانوية مثل "الواد مزيكا" في مسرحية "المتزوجون" بطولة سمير غانم وجورج سيدهم عام 1976، ستتحول إلى أيقونة كوميدية، بجلبابه الشهير وإفيه "أنا الشعب!" الذي مازال الجمهور يردده حتى الآن. ومع أنه لم يكن بطل العرض، إلا أن حضوره اللافت جعل صناع السينما والدراما يدركون أن هناك نجمًا لا بد من الاستفادة بخدماته.

من "مزيكا" إلى "خليل السباك"، الذي قدمه في مسلسل "أهلًا أهلًا بالسكان" عام 1984، قفز الموجي بخفة بين الشخصيات، محافظًا على روح ساخرة لا تخلو من المكر. عبارة "هتسلك!" التي أطلقها في المسلسل، تجاوزت كونها إفيهًا عابرًا لتصبح تعبيرًا شعبيًا في فترة الثمانينيات يحمل الكثير من دلالات التحايل على الواقع.

وفي نهاية الثمانينيات، ظهر بشخصية المطرب "جعورة" الفانتازية في "ناس وناس"، والتي تعبر عن انحدار الذوق العام في الأغنيات وانتشار مغنيين وتحقيقهم نجاحًا كبيرًا رغم رداءة أصواتهم.

ثم كانت نقلة نوعية في مسيرته عبر شخصية "الهرم" في فيلم "الكيت كات" عام 1991، تاجر المخدرات وصديق الشيخ حسني أو محمود عبد العزيز، واستطاع الموجي أن يترك بصمة لا تنسى بهذه الشخصية، فهو نموذج نادر يجسد قدرة الممثل على أن يصنع من الدور الصغير حضورًا طاغيًا.

لا يمكن كذلك أن نغفل شخصية "طأطأ" في الفيلم الذي حمل اسمه إلى جانب "ريكا وكاظم بيه" وشاركه بطولته كمال الشناوي وجالا فهمي، وجسد به دور نصاب يخدع السيدات الأثرياء ويستولى على أموالهن، حتى يجد نفسه في منافسة مع نصاب آخر يتبع نفس الأسلوب لكنه يتمتع بحسن المظهر.

نجاح الموجي وجورج سيدهم في "المتزوجون"
أدوار تراجيدية

ورغم غلبة الكوميديا على كثير من أعماله، إلا أن الموجي لم يكن أسيرًا لهذا النوع. ففي فيلم "الحريف" مع عادل إمام، قدّم شخصية "عبدالله" جار البطل، رجل مطحون بالفقر والعجز، لم يجد خلاصًا سوى في ارتكاب جريمة. الأداء كان صادمًا في واقعيته، بعيدًا تمامًا عن الكوميديا المعتادة، وكأن الموجي أراد أن يثبت للجميع أن بإمكانه الغوص في أعماق النفس البشرية كما يبرع في إطلاق النكات.

وإذا كان "أيام الغضب" هو الفيلم الذي منحه جائزة أفضل ممثل بمهرجان دمشق السينمائي.، فإن شخصية "مصطفى" نزيل مستشفى الأمراض العقلية، كانت المرآة التي عكست مأساة مجتمع كامل. الأغنية الشهيرة "سلّم لنا على التروماي" لم تكن فقط لحظة فكاهية، بل كانت صرخة تراجيدية في قالب عبثي، نجح في تحويلها إلى أحد أكثر مشاهد السينما المصرية شهرةً.

واصل الموجي التعبير عن المهمشين وأصبح صوتهم، وفي فيلم "ليه يا بنفسج" أظهر وجهًا جديدًا تمامًا، مجسدًا شخصية "عباس"، التي تتقاطع بين الحلم والحرمان والانهيار النفسي. تلك الشخصية تتطلب ممثلًا يعرف متى يطلق العنان لمشاعره ومتى يكبحها، وقد كان الموجي على قدر المهمة، بل وتجاوزها.

نجاح الموجي وعادل إمام في "الحريف"
بوابة الحلواني

وإذا ما انتقلنا إلى الدراما التلفزيونية، فهناك "ربيع بهنسي" في بوابة الحلواني، الدور الذي أعطى الموجي فرصة للتماهي مع طبقات متعددة من الانفعالات، ما بين الطيبة والسخرية والتمرد، مقدمًا أداءً يليق بواحدة من أهم الأعمال الملحمية بالدراما المصرية.

أما في فيلم "التحويلة" فقد تحول إلى شاهد على الظلم والتسلط، مؤديًا دور القبطي البريء "حلمي أمين عبد السيد" الذي زُج به إلى المعتقل ظلمًا. ونجح الموجي في رسم ملامحه بلا شعارات أو مبالغات، فقط بإنسانيته المفرطة.

هذا التنوع لم يكن مجرد محصلة اجتهاد، بل نتيجة موهبة حقيقية لم يفلح المعهد العالي للفنون المسرحية في اكتشافها، بعدما رُفض الموجي فيه أكثر من مرة، قبل أن يثبت مع الوقت أن الموهبة وحدها كافية لتغيير المعادلة.

نجاح الموجي لم يكن ممثلًا كوميديًا فقط، بل كان حكاية صعود عنيدة من قرية ميت الكرماء بمحافظة الدقهلية إلى خشبة المسرح وقلب شاشة السينما والتلفزيون، رجل حكومي بدرجة "وكيل وزارة" لا يساوم على فنه، ولا يرضى بأنصاف الأدوار. ترك خلفه ميراثًا من الشخصيات التي نحبها ونحفظ إفيهاتها، ونضحك من أعماقنا كلما مرت بخاطرنا، ونبكي أيضا مع أدواره التراجيدية القريبة من الواقع.