4 سبتمبر 1989، تاريخ شكّل نقطة تحول كبيرة في مشوار الفنان المصري الراحل نجاح الموجي، إذ عُرض فيلمه "أيام الغضب" بطولة نور الشريف وإخراج منير راضي، ورغم أنه دخل مجال التمثيل قبل هذا التاريخ بنحو 20 عامًا، يعد هذا الدور بمثابة شهادة ميلاد فنية جديدة له، وبطاقة تعارف للمرة الأولى مع الجوائز السينمائية، إذ حصل عن دور "مصطفى" في الفيلم على جائزة أفضل ممثل بمهرجان دمشق السينمائي.
قبل ذلك التاريخ بعدة أسابيع كان نجاح الموجي -الذي يوافق اليوم ذكرى ميلاده الـ80- يسير على كورنيش الإسكندرية يبكى من عدم حصوله على جائزة بمهرجان المدينة التي تقع على ساحل البحر الأبيض المتوسط، إذ كان يُمني نفسه بنيل جائزة أفضل ممثل لكنها ذهبت لفنان آخر.
الإشادة النقدية والنجاح الجماهيري لفيلم "أيام الغضب" ودور نجاح الموجي به، جعله يغير من منهجه ليدقق في أدواره ويزداد إصرارًا في رفض أفلام المقاولات، ولا يقبل منها سوى القليل الذي يساعده على العيش وتربية أولاده، حسب تصريح صحفي له بجريدة مصرية.
لكن مع تتبع مسيرة "الموجي" نجد أنه لم يقبل من الأساس المشاركة في أفلام دون المستوى بعد "أيام الغضب"، ليبدع في شخصيات محفوظة بالاسم للمُشاهِد، منها الهرم في "الكيت كات"، عباس النص في "المساطيل"، عباس في "ليه يا بنفسج"، جلال في "الحب في طابا"، وزغلول الحلاق في "زيارة السيد الرئيس".
الخروج عن النص
كيف لم نلتفت إلى هذه التفاصيل أو نضيف هذا النص إلى الشخصية؟ جملة سمعها نجاح الموجي من كتّاب كبار بحجم محفوظ عبد الرحمن وصلاح فؤاد، كانت كافية للرد على اتهامات وُجهِت له بالخروج عن النص، إذ كان يؤمن الفنان الراحل بأن إحساس الممثل بالشخصية يجعله قادرًا على الإضافة له، دون أن يخرج عن الآداب العامة.
لكن هذا المنهج في التمثيل أثار غضب بعض الفنانين، وصلت إلى أن أقامت المطربة أنغام دعوى قضائية ضده بسبب خروجه عن النص في مسرحية "لا مؤاخذة يا منعم"، والسخرية منها في مشهد شهير، كما سخر أيضًا من مطربين منهم عمرو دياب ومحمد فؤاد ولطيفة وغيرهم، لكن القضاء انتصر له ليحصل على البراءة.
إضافة نجاح الموجي ورؤيته الخاصة للعمل الفني، صنعت واحدًا من أبرز المشاهد في السينما المصرية، إذ إن مشهد أغنيته الشهيرة "سلملنا على التروماي" في فيلم "أيام الغضب" لم يكن موجودًا في الأساس بالنص الذي كتبه بشير الديك، وكان عبارة عن "المجموعة يحتفلون بخروج إبراهيم"، فقط 4 كلمات دون جملة حوارية أو أي وصف، لكن في جلسة العمل التي تسبق التصوير اقترح نجاح الموجي تخفيف جرعة الكوميديا السوداء بالفيلم، وإضافة أغنية تعتمد على أصوات النزلاء بمستشفى الأمراض العقلية دون آلات موسيقية لإضفاء الواقعية.
وبالفعل أعجبت الفكرة صنّاع العمل ليسندوا مهمة الأغنية للشاعر سيد حجاب، والملحن سامي الحفناوي، وتحقق نجاحًا كبيرًا، لدرجة دفعت أحد منتجي شرائط الكاسيت إلى التحمس لإنتاج ألبوم غنائي لنجاح الموجي، رفضته الرقابة على المصنفات الفنية وقتها، الأمر الذي لم يزعج الممثل الراحل، خصوصًا أنه كان مؤمنًا بأن أدائه للأغنيات يجب أن يكون داخل العمل الدرامي لخدمته سواء في المسرح أو السينما، لذا حاول تطوير نفسه في مجال الموسيقى ودراسته أكثر.
تحدٍ
التحديات التي خاضها نجاح الموجي في مشواره الفني، بدأت قبل أن يضع قدمه الأولى على بداية الطريق، إذ لم يستمع إلى مقولة أحد أصدقائه بمعهد الخدمة الاجتماعية عقب تخرجهما، والذي قال له "لا تأخذ الأمر بجدية، لقد كنا نصفق لك على المسرح أثناء الدراسة لأنك صديقنا فقط"، لكن قلب الممثل الراحل كان تعلّق بالفعل بالتمثيل، ولم ينس احتفاء خاله به عقب أدائه بأحد العروض المسرحية بالمدرسة الإعدادية، وتصفيق الجمهور له وإعجاب أساتذته بالمدرسة.
لم ينس نجم فيلم "التحويلة" بانتصاراته في نزال إطلاق النكات الذي كان يخوضه مع أصدقائه في حي حدائق القبة الشهير، ليذهب إلى فرقة "ثلاثي أضواء المسرح" ويلحقه المخرج محمد سالم بالفرقة، ويقدم عرض "حواديت وبراغيت" بأجر 5 جنيهات شهريًا، ويزداد اقتناعه بموهبته ليحصل على دور أكبر بالعرض المسرحي الذي كان يقدمه لطفي أحمد، شقيق الممثل الضيف أحمد أحد أضلاع الثلاثي.
واستمر الموجي في عالم الفن صانعًا من أدوار صغيرة بطولات خاصة، مثلما فعل في دور "مزيكا" صبي الجزار في مسرحية "المتزوجون" بطولة سمير غانم وجورج سيدهم، و بصمته الخاصة في 3 مشاهد فقط بفيلم "الحريف" بطولة عادل إمام، وأيضًا صاعدًا إلى أدوار البطولة الجماعية ومنها "طأطا وريكا وكاظم بيه" و"الحب في طابا"، ومقدمًا أدوار مميزة على المسرح، منها العرض المميز "مولد سيدي المرعب" عام 1998، وهو العام نفسه الذي رحل فيه عن دنيانا.