أوقعت أزمة تجنيد "الحريديم" رئيس الوزراء الإسرائيلي بنيامين نتنياهو، في معضلة إمكانية حل "الكنيست"، بعد أن قرر زعماء المعارضة اتخاذ قرارهم النهائي، اليوم الأبعاء، بشأن تقديم مشروع قانون حل الكنيست، حسبما ذكرت هيئة الإذاعة العامة "كان".
وصلت أزمة الإعفاء من الخدمة العسكرية، التي تهدد تماسك الائتلاف، ذروتها، وقد يُصوت الكنيست اليوم على قانون حله، ويعتمد نتنياهو في محاولته لإثناء الأحزاب عن ذلك القرار على التهديد الإيراني، بحجة أن حل الكنيست سيهز ثقة إسرائيل في مواجهة إيران.
"الحريديم" وحل الكنيست
في الوقت الذي يصمم رئيس حزب "إسرائيل بيتنا"، أفيجدور ليبرمان، على طرح مشروع القانون للتصويت، حتى دون دعم حزب "شاس"، الذي يعمل جاهدًا خلف الكواليس لتأجيل التصويت ومنع سقوط الحكومة، فإن فشل التصويت يعني أن على الأحزاب الانتظار 6 أشهر قبل طرح مشروع قانون آخر لحل الكنيست على طاولة البرلمان.
ومن غير الواضح أن أيًا من الأحزاب المتشددة ستصوت في النهاية لصالح التشريع، وبما أن ائتلاف رئيس الوزراء بنيامين نتنياهو المتشدد يسيطر حاليًا على 68 مقعدًا من أصل 120 في البرلمان، فسيتعين على حزب شاس وحزب التوراة اليهودية المتحدة دعم الإجراء.
وأعلن الحزبان أنهما سيصوتان لصالح هذا الإجراء في قراءته التمهيدية بسبب فشل الائتلاف في تمرير تشريع يعفي طلاب المدارس الدينية من الخدمة العسكرية، في الوقت الذي تقول مصادر المعارضة، إنها لن تُجازف بعرض مشروع القانون على التصويت إذا لم يحصل على أغلبية مضمونة، لأن الهزيمة ستمنعها من تقديم أي مشروع قانون مماثل لمدة 6 أشهر، حسب "هآرتس العبرية".
ماذا يريد جيش الاحتلال؟
ويعد الموقف الرسمي لجيش الاحتلال الإسرائيلي، هو وجوب تجنيد جميع طلاب المدارس الدينية، والحاجة الماسة إلى 10 آلاف جندي إضافي مقاتل ونحو 3 آلاف جندي لمهام أخرى.
ويدعو جيش الاحتلال إلى فرض عقوبات مدنية أوسع نطاقًا على المتهربين من التجنيد، مُقرًا باستحالة اعتقال عشرات الآلاف من طلاب المعاهد الدينية، وفي نقاشٍ عُقد أخيرًا في الكنيست، صرّح العميد شاي طيب، رئيس قسم التخطيط وإدارة شؤون الموظفين في مديرية شؤون الموظفين: "يتطلب الوضع الأمني قوى عاملة أكبر بكثير، وهذا يؤثر على الجنود المُجندين وجنود الاحتياط، وعلى عبء الخدمة الإجمالي".
وأضاف: "العقوبات الحالية محدودة للغاية"، طالبًا الحكومة على اتخاذ إجراءات ضد المعاهد الدينية التي يتهرب طلابها من التجنيد.
وبحسب تقديرات رئيس شعبة التخطيط وشؤون الأفراد في جيش الاحتلال الإسرائيلي، فإن هناك نحو 54 ألف رجل من اليهود المتشددين الخاضعين للتجنيد، الذين لم يتلقوا الاستدعاء الأول بعد، ومن المتوقع البدء فيه من الشهر المقبل على دفعة أو دفعتين.
ثلاثة سيناريوهات محتملة
وينتظر مستقبل الكنيست ثلاثة سيناريوهات محتملة لأحداث اليوم الأربعاء، الأول التوصل إلى تسوية بشأن مشروع قانون التجنيد نفسه، والثاني رضوخ السياسيين المتشددين ونتنياهو لاحتجاجات الحاخامات المتشددة.
أما السيناريو الثالث، وهو ما ترجحه صحيفة "هآرتس" العربية، فمحاولة نتنياهو كسب المزيد من الوقت لإجراء "مفاوضات" ظاهرية حول قانون التجنيد، ويعني هذا في جوهره موافقة المتشددين على تأجيل آخر.
وفيما يتعلق بمشروع قانون التجنيد نفسه، فإن الأحزاب لا تسعى فقط إلى منع فرض عقوبات شخصية وجماعية إضافية، بل تأجيل تنفيذ العقوبات القائمة بالفعل بتقليص التمويل الحكومي للمدارس الدينية اليهودية المتشددة.
الفرق بين حل الكنيست والاستقالة من الحكومة؟
في حين أن الانسحاب من الحكومة يُطبّق فورًا، فإن حل الكنيست يتطلب تقديم مشروع قانون بهذا الشأن، وهي عملية قد تستغرق أسابيع، ويتيح هذا المسار الأبطأ للأحزاب الحريدية التراجع عن مواقفها إن رغبت في ذلك، ويترك الوزراء الحريديم في مناصبهم حتى أداء الحكومة الجديدة اليمين الدستورية.
طُرحت بالفعل عدة مشاريع قوانين لحل الكنيست، إذ سارعت أحزاب يش عتيد وإسرائيل بيتنا والعمل، بعرضها على الجلسة العامة الأسبوع المقبل، وستُجرى هذه الإجراءات كأي مشروع قانون خاص آخر، وتتطلب أربعة تصويتات، ومن المتوقع إجراء التصويت الأول اليوم الأربعاء.
من المقرر أن تنتهي الدورة الصيفية للكنيست، أواخر يوليو، تليها عطلة صيفية حتى الأعياد اليهودية، وتُقدم الأحزاب الحريدية مشروع قانون لحل الكنيست من خلال تصويت أولي، ثم تُعرقل تقدمه قبل العطلة، مستخدمةً إياه كتهديد فعّال في المفاوضات دون أن تُسقط الائتلاف فعليًا.
خيارات نتنياهو
يحاول نتنياهو تجنب تلك الأزمة من خلال مشروع قانون مُعدّل للإعفاء من الخدمة العسكرية، لكن وفقًا للتقديرات، لن تُرضي أي نسخة مُتفق عليها الحاخامات ولن تجتاز تدقيق المحكمة العليا، بحسب "هآرتس".
ومن الممكن أن يُقيل نتنياهو أيضًا إدلشتاين من منصبه كرئيس للجنة الشؤون الخارجية والدفاع في الكنيست، إلا أنه مع عدم وجود مشروع قانون مُتفق عليه للإعفاء من الخدمة العسكرية لن يُؤجّل الأزمة إلا لبضعة أشهر.
إذا أراد نتنياهو تجنب حل الكنيست قد يُركز جهوده على حزب "شاس"، بما أن حزب "يهدوت هتوراة" الحزب الوحيد الذي يدعم الحل، وفي إطار مساعيه لمنع اليهود المتشددين من الاحتجاج بعنف، يحاول نتنياهو استغلال التهديد الإيراني، مستشهدًا بالادعاء المألوف بأن إسرائيل تواجه تحديات جسيمة، وبالتالي فإن تقويض الائتلاف أسوأ ما يمكن أن يحدث.
أزمة بدأها بن جوريون
مُنح إعفاء طلاب المدارس الدينية "اليشيفات" من الخدمة العسكرية عند تأسيس إسرائيل من قِبل أول رئيس وزراء لها، ديفيد بن جوريون، الذي استخدم بندًا في قانون الخدمة العسكرية يُجيز لوزير الدفاع إعفاء الأفراد من الخدمة الإلزامية.
وتوسّع الأمر تدريجيًا بعد أن رفعت حكومة "بيجن" الحد الأقصى لعدد طلاب المدارس الدينية المؤهلين للإعفاء عام 1977.
في عام 1998، قضت محكمة العدل العليا بأن وزير الدفاع لا يملك صلاحية إصدار إعفاء شامل لجميع طلاب المدارس الدينية، وطالبت بسن تشريع مناسب، وفي وقت لاحق، سُنّ ما يُسمى "قانون تال" لتأجيل خدمة طلاب المدارس الدينية، إلا أنه لم يُجدي نفعًا، وألغته المحكمة العليا في نهاية المطاف عام 2012.
وعام 2014، عُدِّل قانون الخدمة العسكرية لإدخال أهداف سنوية متزايدة تدريجيًا للتجنيد الإلزامي، لكن في 2015، ألغت حكومة نتنياهو - التي ضمت أحزابًا ائتلافية متشددة - هذه الإصلاحات بتعديل آخر ألغى العقوبات وسمح باستمرار الإعفاءات، حال عدم تحقيق الأهداف.
وعام 2017، ألغت المحكمة العليا قانون الإعفاء الجديد، قضت بأنه ينتهك الحقوق الدستورية لمن يؤدون الخدمة، ومنذ ذلك الحين، سعت إسرائيل مرارًا وتكرارًا إلى تمديده لإتاحة الوقت لصياغة تشريعات جديدة، وفي نهاية المطاف، انتهى العمل بالقانون، صيف عام 2023.
في العام الماضي، قضت المحكمة العليا بأنه مع انتهاء سريان القانون، لم يعد بإمكان الدولة إعفاء الرجال الحريديم من الخدمة العسكرية، ولا الاستمرار في تمويل المعاهد الدينية "اليشيفات" والجامعات التي لم يُمنح طلابها إعفاءات رسمية، ومنذ ذلك الحين أصبح جيش الاحتلال الإسرائيلي مُلزمًا بإصدار إشعارات تجنيد لطلاب المعاهد الدينية، وبدأ بالفعل في ذلك، وإن كان على نطاق محدود، أرسل الجيش أكثر من 20 ألف إشعار تجنيد للرجال الحريديم، لكن لم يلتحق بالخدمة سوى بضع مئات منهم.