الموقع الرسمي | القاهرة الاخبارية

السيناريست مصطفى محرم.. دخل الدراما من بوابة الأدب واستقر في ذاكرة الأجيال

  • مشاركة :
post-title
السيناريست مصطفى محرم

القاهرة الإخبارية - محمود ترك

"كان يمتلك قدرة نادرة على جعل الشخصيات الورقية تنبض بالحياة وكأنها خرجت من الشارع المصري لتسكن شاشاتنا"، بهذه الكلمات لخص الناقد طارق الشناوي في مقال له، جانبًا من موهبة السيناريست الكبير مصطفى محرم، الذي تحل اليوم 6 يونيو ذكرى ميلاده، وهو الاسم الذي لا يمكن تجاوزه عند الحديث عن قامات كتابة السيناريو في مصر والعالم العربي.

ولد مصطفى محرم عام 1939، ولم يبدأ مشواره الفني خلف الكاميرا أو أمامها، بل انطلق من خلف الكواليس قارئا نَهمًا في إحدى شركات الإنتاج، حيث كان يعمل في قسم القراءة. هناك بدأ يتشكل وعيه الفني، ومن هناك أيضًا أخذ أولى خطواته نحو عالم السينما، متسلحًا بثقافة أدبية رفيعة ومخزون معرفي متنوع، انعكس لاحقًا على كل ما قدمه من أعمال.

تخرج محرم في كلية الآداب، قسم الأدب الإنجليزي، ثم حصل على دبلوم من المعهد العالي للسيناريو عام 1964، وبدأ عمله بالمركز القومي للسينما، حيث كتب عدة أفلام تسجيلية، قبل أن يخطو بثقة نحو الأفلام الروائية، ويتحول إلى اسم ثابت في مقدمة التترات لعقود متتالية.

مسلسل "لن أعيش في جلباب ابي"

في الثمانينيات، لمع اسمه كواحد من أبرز كتاب السيناريو القادرين على تحويل الأعمال الأدبية إلى أفلام ناجحة جماهيريًا ونقديًا في آنٍ واحد. أعماله اقتربت كثيرًا من وجدان الناس لأنها – كما قال طارق الشناوي – تجيد تشريح النفس البشرية، وتغوص إلى أعماقها، دون أن تتخلى عن البعد المجتمعي والسياسي الذي كان يحكم شخصياته.

من أبرز أفلامه السينمائية التي استلهمها من روايات أدبية، "أهل القمة"، "الحب فوق هضبة الهرم"، "الجوع" و"حتى لا يطير الدخان"، وهي أعمال قدمها عن نصوص لنجيب محفوظ وإحسان عبد القدوس وغيرهما، لكنه لم يكن مجرد ناقل أمين، بل أعاد بناء الحكايات وصاغها بلغة سينمائية ناضجة.

كما كتب أفلامًا صنعت علامات في السينما المصرية مثل "الراقصة والطبال"، "ليلة القبض على فاطمة"، "الباطنية"، "غدًا سأنتقم"، و"أبناء وقتلة". وقد تعاون مع كبار النجوم مثل عادل إمام، سعاد حسني، أحمد زكي، فاروق الفيشاوي، نبيلة عبيد، ونادية الجندي، التي اعترفت في نعيها له بأنه كان شريكًا حقيقيًا في مجدها الفني.

ورغم أن السينما كانت بوابته الأولى، فإن اسمه أصبح أكثر التصاقًا بجمهور الدراما التلفزيونية، خاصة منذ منتصف التسعينيات، حين قدم مسلسل "لن أعيش في جلباب أبي" المأخوذ عن قصة لإحسان عبد القدوس، في معالجة درامية أصبحت من علامات الدراما المصرية. وتبع ذلك "عائلة الحاج متولي"، "العطار والسبع بنات:"، "زهرة وأزواجها الخمسة"، "الباطنية"، وغيرها من الأعمال التي وصفت بأنها "دراما شعبية بطعم الواقع".

فيلم "حتى لا يطير الدخان"

تميّزت كتابات مصطفى محرم بتوازن لافت بين عناصر الجذب الجماهيري والمضامين الإنسانية، وكان شديد الدقة في صنع شخصيات من الواقع، تلامس قلوب الجمهور، ويتفاعل معها، خصوصًا أنها كانت شخصيات من لحم ودم قريبة من المشاهد وتعبر عنه.

في حياته المهنية التي تجاوزت نصف قرن، كتب مصطفى محرم نحو 120 عملاً، ولم يكن يكتفي بالكتابة، بل كان قارئًا نهمًا ومترجمًا مهتمًا بثقافة الصورة، فترجم كتاب "تشريح الفيلم" وكتب سيرة ذاتية فنية، عكس فيها نظرته الخاصة للكتابة الدرامية، والتي كان يعتبرها "مسؤولية ثقيلة لا تحتمل دون معرفة عميقة بالناس".

رحل مصطفى محرم في إبريل 2021 عن عمر ناهز 82 عامًا، بعد أزمة صحية مفاجئة، وشيعت جنازته من مسجد السيدة نفيسة وسط القاهرة. وعلى الرغم من غياب لافت للنجوم في جنازته، فإن أعماله ما زالت تحضر بكثافة في ذاكرة الجمهور، خصوصًا في شهر رمضان، حيث كانت تزين الشاشات كل عام.