في مشهد جديد من مشاهد العزلة السياسية والأكاديمية التي تتسع رقعتها حول العالم، باتت إسرائيل تواجه ما يُشبه "الضغوط المركَّبة"، إذ تتوالى التهديدات السياسية من عواصم القرار الأوروبي، ويتعاظم الحراك داخل الجامعات نحو مقاطعة المؤسسات الأكاديمية الإسرائيلية، تنديدًا بسلوكها في الحرب على قطاع غزة.
فبين تحذيرات الرئيس الفرنسي إيمانويل ماكرون التي تلوّح بـ"خطوات ملموسة" وبين قرار جامعات أوروبية كبرى بقطع العلاقات الأكاديمية، تتكشّف ملامح مرحلة جديدة من الضغط المتعدّد الأبعاد، تقودها أوروبا، ويُحتمل أن تترك آثارًا طويلة الأمد على صورة إسرائيل الدولية.
ماكرون: خطوات وشيكة ضد إسرائيل
وأعلن ماكرون، أمس الخميس، أن بلاده تدرس اتخاذ "خطوات ملموسة" ضد إسرائيل خلال الأيام المقبلة، في سياق التصعيد المستمر بين باريس وتل أبيب بشأن الحرب الجارية على قطاع غزة.
وقال ماكرون، في مؤتمر صحفي مشترك جمعه مع نظيره البرازيلي لويس إيناسيو لولا دا سيلفا، إن بلاده بصدد اتخاذ قرار قريب في ضوء "المناقشات المستمرة" بشأن الملف الإسرائيلي، مشيرًا إلى أن الخطوة المقبلة قد تتضمن "تشديد اللهجة" وربما إجراءات عملية ضد إسرائيل، دون أن يُفصح عن طبيعتها.
من جهته، أشار "دا سيلفا" إلى أن "الاعتراف بدولة فلسطينية لم يعد مجرد خيار سياسي، بل أصبح واجبًا أخلاقيًا وإنسانيًا".
يُذكر أن البرازيل اعترفت بدولة فلسطين عام 2010، وجاء اللقاء في باريس على هامش مؤتمر مشترك تنظمه فرنسا والسعودية في الأمم المتحدة، يُعقد في 17 يونيو، لمناقشة "حل الدولتين" بوصفه إطارًا لتسوية الصراع في الشرق الأوسط.
رسائل مزدوجة من باريس
سبق هذا التصعيد زيارة دبلوماسية رفيعة المستوى من مسؤوليْن فرنسيَّيْن إلى إسرائيل مؤخرًا، حملا خلالها رسالة مفادها أن باريس لا تعتزم الاعتراف الأحادي بدولة فلسطينية خلال المؤتمر المرتقب، لكنها ستدعو إلى تهيئة الظروف اللازمة لهذا الاعتراف مستقبلًا.
ونقلت صحيفة "يديعوت أحرونوت" عن مصدر فرنسي رفيع أن الهدف الأساسي من المؤتمر هو "بناء إطار سياسي متكامل لحل الدولتين"، ويتضمن عدة مراحل، منها: الدعوة إلى إطلاق سراح المحتجزين، وبلورة رؤية سياسية شاملة للدولة الفلسطينية، والتكامل الإقليمي لإسرائيل، ونزع سلاح حركة حماس، وإنشاء آلية أمنية لمرحلة اليوم التالي في قطاع غزة، وتعزيز قدرات السلطة الفلسطينية، ومراجعة وتحديث المناهج التعليمية الفلسطينية.
عاصفة المقاطعة الأكاديمية
بالتوازي مع الضغوط السياسية، بدأت ملامح "مقاطعة أكاديمية" لإسرائيل تتصاعد في مؤسسات التعليم العالي الأوروبية، في سابقة تنذر بتداعيات ثقيلة على العلاقات العلمية والبحثية الدولية للدولة العبرية.
وأعلنت جامعة جنيف السويسرية رسميًا إنهاء تعاونها البحثي مع الجامعة العبرية في القدس المحتلة وجامعة تل أبيب، بسبب الحرب على غزة، وذكرت الإدارة في بيانٍ أن القرار "ليس سياسيًا"، لكنه نابع من "قلق عميق إزاء ما يجري في القطاع"، مطالبة إسرائيل بـ"احترام حقوق الإنسان".
وبحسب "يديعوت أحرونوت"، كان من المقرر إعلان القرار في مؤتمر صحفي، إلا أن حضوره المبكر من قبل نحو 15 طالبًا مؤيدًا لفلسطين أدى إلى إلغاء المؤتمر لـ"عدم توفر ظروف سلمية"، على حد وصف الجامعة.
أما جامعة إيراسموس روتردام الهولندية (EUR)، فاتخذت خطوة أكثر حدة، بإعلان تجميد فوري للتعاون مع ثلاث جامعات إسرائيلية هي: بار إيلان، والجامعة العبرية في القدس المحتلة، وحيفا.
وأوضحت الجامعة في بيانها أن هذه الخطوة تشمل تعليق برامج التبادل الطلابي، ومنع أي تعاون بحثي جديد مع المؤسسات الإسرائيلية المذكورة، مشيرة إلى أن مشاركتها في التحالفات الأكاديمية الأوروبية، كبرنامج Horizon التابع للاتحاد الأوروبي، ستُقيّد في حال وجود شراكة مباشرة مع جامعات إسرائيلية.
ردود إسرائيلية
في أعقاب هذه القرارات، أصدر الاتحاد الوطني للطلاب في إسرائيل بيانًا وجّهه إلى وزير التعليم يوآف كيش ووزير الخارجية جدعون ساعر، دعا فيه إلى عقد اجتماع طارئ لبحث "الهجمة المتصاعدة على الجامعات الإسرائيلية".
وأشار البيان إلى أن الجامعات الإسرائيلية أصبحت عرضة لعمليات مقاطعة متسارعة من مؤسسات رائدة حول العالم، إضافة إلى "تصاعد الحوادث المعادية للسامية داخل الجامعات"، محذرًا من تدهور شرعية المؤسسات الأكاديمية الإسرائيلية على الساحة الدولية، وتأثير ذلك على طلابها اليهود حول العالم.
من جهتها، علّقت لجنة رؤساء الجامعات البحثية على القرار بلهجة تحذيرية قائلة: "نحن نواجه موجة متصاعدة من المقاطعة الأكاديمية، وهي تمثل تهديدًا مباشرًا وخطيرًا لمكانة إسرائيل الدولية، إننا نطالب الحكومة الإسرائيلية بوضع خطة إستراتيجية عاجلة بالتنسيق مع الأوساط الأكاديمية، لتجنّب أضرار قد تكون غير قابلة للعكس".