كشفت وثائق ومصادر أمريكية عن حجم المواجهة الضخمة بين البحرية الأمريكية وجماعة الحوثيين في البحر الأحمر.
ووفقًا لصحيفة وول ستريت جورنال، شاركت نحو 30 سفينة حربية أمريكية في عمليات قتالية منذ أواخر 2023، وهو ما يمثل نحو 10% من إجمالي الأسطول الأمريكي، وأمطرت الولايات المتحدة الحوثيين بذخائر تبلغ قيمتها 1.5 مليار دولار وفقًا لمسؤول أمريكي، في حملة عسكرية تُعتبر الأكثر كثافة للبحرية الأمريكية منذ الحرب العالمية الثانية.
خصم أكثر صعوبة
وأشارت الصحيفة الأمريكية إلى أن جماعة الحوثيين، أثبتت رغم انطلاقها من كهوف ومعاقل بدائية في واحدة من أفقر دول العالم، أنها خصم أكثر صعوبة مما توقعته القيادة الأمريكية.
واستفادت الجماعة من انتشار تكنولوجيا الصواريخ والطائرات المُسيّرة الرخيصة، واستخدمت لأول مرة في التاريخ صواريخ باليستية مضادة للسفن في القتال الفعلي.
وبحسب "وول ستريت جورنال"، طوَّر الحوثيون أساليب مبتكرة في نشر أسلحتهم، إذ بدأوا بشن هجمات ليلية وإرسال قذائف تحلق على ارتفاع منخفض فوق الأمواج، ما جعل تتبعها أكثر صعوبة.
كما تمكنوا من إسقاط أكثر من 12 طائرة "ريبر" أمريكية مُسيّرة، تبلغ قيمة الواحدة منها نحو 30 مليون دولار.
خسائر مؤلمة
تكبدت البحرية الأمريكية خسائر مادية وبشرية مؤلمة خلال هذه المواجهة، وذكرت الصحيفة الأمريكية أنه في مساء السادس من مايو الماضي، انزلقت مقاتلة من طراز F/A-18 سوبر هورنت تبلغ قيمتها 67 مليون دولار إلى المياه بعد فشل آلية الهبوط على حاملة الطائرات "هاري إس ترومان"، وكانت هذه المقاتلة الثالثة التي تفقدها الحاملة في أقل من خمسة أشهر.
كما فقدت البحرية اثنين من قواتها الخاصة من وحدة "نيفي سيلز" في بداية العام الماضي، في أثناء عملية صعود ليلية لقارب يُشتبه في نقله مكونات صواريخ من إيران إلى اليمن قبالة سواحل الصومال.
وبحسب المصادر العسكرية، سقط أحد الجنود في المياه أثناء محاولة الصعود للقارب، وقفز الآخر لإنقاذه، وأعلنت البحرية وفاتهما بعد عشرة أيام من البحث.
جغرافيا البحر الأحمر
لفتت وول ستريت جورنال، إلى أن جغرافية البحر الأحمر المحدودة أثبتت أنها تصب في صالح الحوثيين، ففي هذه المياه الضيقة، التي لا يتجاوز عرضها 200 ميل في أوسع نقاطها، تصبح السفن الكبيرة محدودة المناورة وتبقى فترات طويلة في مرمى نظر الساحل، حيث يمكن للمراقبين الحوثيين مساعدة توجيه الهجمات.
وقال بريان كلارك، الاستراتيجي البحري السابق في معهد هدسون لوول ستريت جورنال، إن نشر حاملة طائرات في المنطقة "يجعلها هدفًا سهلًا هناك وفي مدى أسلحة الحوثيين"، مضيفًا أن الجماعات العسكرية، مثل الحوثيين، أصعب في الردع من الحكومات النظامية.
وكانت الطواقم الأمريكية تتمكن عادة من رصد إطلاق الطائرات المُسيّرة والصواريخ قبل دقيقة أو اثنتين فقط من الإصابة، وعليها اتخاذ قرار الاستجابة خلال نحو 15 ثانية.
ضغوط تشغيلية
من جهتهم، حذر قادة عسكريون وأعضاء في الكونجرس الأمريكي من تأثير هذه العمليات المكثفة على الجاهزية العسكرية الشاملة.
وقال النائب كين كالفيرت، رئيس اللجنة الفرعية للدفاع في مجلس النواب، خلال جلسة استماع في 14 مايو: "على مدى العام الماضي، عملت البحرية في ظروف قتالية مكثفة ومستمرة في البحر الأحمر، لكن هذا الإيقاع التشغيلي المستمر له تكلفة".
وأوضحت الصحيفة أن هذه العمليات سحبت موارد من الجهود المبذولة في آسيا لردع الصين، وأخرت جداول الصيانة لحاملات الطائرات، ما قد يخلق فجوات حرجة في النصف الثاني من العقد الحالي.
وأشار نائب الأدميرال براد كوبر، نائب قائد القيادة العسكرية الأمريكية في الشرق الأوسط، إلى أن البحارة عملوا تحت ضغط مستمر، لافتا إلى أن حاملة الطائرات "دوايت دي أيزنهاور" أجرت زيارة واحدة قصيرة للميناء فقط خلال سبعة أشهر من القتال.
هدنة ترامب
رغم إعلان الرئيس دونالد ترامب التوصل لهدنة مع الحوثيين في مايو، فإن الاتفاق اقتصر على الشروط الأساسية وفقًا لوول ستريت جورنال، وهو توقف الحوثيين عن إطلاق النار على السفن الأمريكية، مقابل توقف الولايات المتحدة عن قصفهم.
الحوثيون استمروا في إطلاق الصواريخ الباليستية على إسرائيل حتى بعد مغادرة حاملة الطائرات "ترومان" للبحر الأحمر.
وخلصت الصحيفة إلى أن البحرية الأمريكية لم تحقق هدفها الإستراتيجي المتمثل في إعادة الملاحة التجارية عبر البحر الأحمر، رغم تدميرها جزءًا كبيرًا من ترسانة الحوثيين.
ويُنظر إلى هذه المواجهة داخل البنتاجون كبروفة عامة لصراع محتمل "عالي المستوى" مع الصين، وأنها وفرت خبرة قتالية لا تقدر بثمن للبحرية الأمريكية.