لم يكن الحفل الـ374 على خشبة المسرح العريق في جامعة هارفارد اعتياديًا، إذ خيَّم صمت سياسي ثقيل على القاعة، جسَّد ملامح أزمة تتعمق يومًا بعد يوم بين البيت الأبيض وأعرق الجامعات الأمريكية، وباتت رياح الفوضى تهدد آلاف الطلاب والمقيمين الأجانب الذين أصبحوا الآن في مهب قرارات صارمة من إدارة ترامب.
فحص شامل للتأشيرات
في خطوة مفاجئة وقاسية، أعلنت الولايات المتحدة، قبل ساعات من انطلاق مراسم التخرج في جامعة هارفارد، عن مراجعة شاملة لجميع التأشيرات المرتبطة بالجامعة، وصرّحت المتحدثة باسم وزارة الخارجية الأمريكية تامي بروس، بأن هذه المراجعة لا تقتصر على الطلاب، بل تشمل أيضًا المحاضرين والباحثين والمستشارين وضيوف المؤتمرات وغيرهم من الأجانب المرتبطين بالمؤسسة.
وقالت "بروس": "يجب على أي شخص في الولايات المتحدة يحمل تأشيرة أن يفهم أنها تأخذ هذه القضية على محمل الجد، هذه ليست عملية لمرة واحدة، فالمراجعة مستمرة".
تشمل المراجعة تأشيرات من فئات متعددة، منها F-1 (الطلاب)، وB-1 (الأعمال)، وB-2 (السياحة)، بالإضافة إلى أنواع أخرى، في محاولة للكشف عن إساءة استخدام نظام التأشيرات أو اختراقات أمنية أو علاقات احتيالية بين حاملي التأشيرات والجامعة، وفق "نيوزويك" الأمريكية.
تصعيد رسمي
يمثل هذا الإعلان استمرارًا لصراع غير مسبوق تقوده إدارة ترامب ضد هارفارد منذ شهر، في حين ألغت وزارة الأمن الداخلي، الأسبوع الماضي، اعتماد الجامعة كمؤسسة تستضيف طلابًا دوليين.
وبررت الوزارة قرارها بأن الجامعة فشلت في تقديم معلومات عن سلوك الطلاب الأجانب، ولم تعالج الحوادث المعادية للسامية في الحرم الجامعي، بل وفّرت منصة لمؤيدي حركة حماس، ما يُعد فشلاً في "تلبية متطلبات الإبلاغ الأساسية"، وفق البيان.
وبموجب هذا القرار، لن يُسمح لهارفارد بتسجيل أي طلاب دوليين في العام الدراسي المقبل، وسيُطلب من الطلاب الأجانب الحاليين مغادرة البلاد أو الانتقال إلى مؤسسة أخرى قبل نهاية الصيف، فيما حذَّرت الجامعة من أن نحو 25% من طلابها يحملون جنسيات أجنبية، وأن هذا القرار قد يؤدي إلى أضرار أكاديمية ومالية فادحة.
وحسب صحيفة "يديعوت أحرونوت"، قال طلاب إسرائيليون يدرسون في هارفارد إنهم يشعرون بأنهم ضحايا لعقاب جماعي، وتُقدّر أعداد الطلاب الإسرائيليين الذين قد يتأثرون بالقرار بنحو 160 طالبًا.
الجامعة تلجأ إلى القضاء
ردًا على قرار الإلغاء، تقدمت هارفارد بدعوى إلى المحكمة الفيدرالية في بوسطن، التي أصدرت أمرًا قضائيًا مؤقتًا لمنع سحب الاعتماد حتى البت في الالتماس، وأوضحت القاضية أليسون بوروز أن الأمر القضائي سيظل ساريًا حتى تحديد موعد لجلسة الاستماع، الذي لم يُحدد بعد.
إلا أن إدارة ترامب لم تنتظر نتائج المحكمة، وطالبت هارفارد، في رسالة رسمية، بتقديم وثائق وإفادات خلال 30 يومًا تبرر بقاء اعتمادها، كما شددت الرسالة على ضرورة إثبات أن الجامعة توفر "بيئة تعليمية خالية من العنف ومعاداة السامية"، وتقديم تقارير مفصلة حول سلوك الطلاب الأجانب.
وقادت وزيرة الأمن الداخلي الأمريكي كريستي نعوم الحملة ضد الجامعة، واتهمتها بـ"إهمال سلامة الطلاب اليهود"، و"نشر الخطاب المؤيد لحماس"، و"التعاون مع الحزب الشيوعي الصيني"، واعتبرت أن رفض الاعتماد هو نتيجة مباشرة لسلوك الجامعة.
وفي رسالة وجهتها إلى مسؤولي الهجرة في الجامعة، منحت نعوم إدارة هارفارد 72 ساعة إضافية لتقديم أدلة تعزز موقفها.
لم تكتفِ إدارة ترامب بسحب الاعتماد، بل أعلنت تجميد منح فيدرالية بقيمة 3 مليارات دولار مخصصة للأبحاث الجامعية، بالإضافة إلى فتح تحقيقات جديدة في وزارات العدل والصحة والتعليم.
وفي خطاب على وسائل التواصل الاجتماعي، كتب "ترامب": "لن تحصل جامعة هارفارد على أي مساعدة إذا استمرت في توظيف أساتذة معادين لأمريكا وفرض سياسات التنوع العنصري".
الجامعة ترد
من جهتها، وصفت متحدثة باسم الجامعة القرار بأنه "غير قانوني"، وأكدت أن هارفارد ستدافع عن حقوق طلابها وعلمائها الدوليين، الذين وصفتهم بأنهم "أعضاء حيويون في مجتمعنا الأكاديمي".
قبل ساعات من الحفل، نظّم بعض الطلاب مظاهرة صامتة في الحرم الجامعي، رفعوا خلالها لافتات تطالب بـ"وقف إطلاق النار الآن"، ووقف التدخل الأمريكي في غزة، وعلى عكس احتجاجات العام الماضي الصاخبة، جاءت هذه التظاهرات هادئة، ودمج العديد من الخريجين شعارات سياسية ورسائل احتجاجية ضمن خطاباتهم أو على قبعات التخرج.
ويعيش مئات الطلاب في قلق حقيقي بعد تلقيهم رسائل إلغاء تأشيراتهم، وفي استجابة استثنائية سمحت الجامعة هذا الشهر للطلاب الجدد بـالتسجيل المزدوج في هارفارد وجامعات أخرى، تحسّبًا لمنع دخولهم إلى الولايات المتحدة.