أحدثت المفاوضات بين الولايات المتحدة الأمريكية وإيران حول البرنامج النووي الإيراني، صدعًا في العلاقة الوثيقة مع إسرائيل، وعلى رأسها رئيس الوزراء بنيامين نتنياهو، ترتب على إثره تهديد إسرائيلي بضرب منشآت التخصيب النووي الرئيسية في إيران، أملًا في تقويض المفاوضات المتقدمة، وفقًا لمسؤولين مطلعين على الوضع، بحسب "نيويورك تايمز".
كانت المكالمة المتوترة الأخيرة، بين الحليفين التقليدين، الرئيس الأمريكي دونالد ترامب، ورئيس الوزراء الإسرائيلي بنيامين نتنياهو، كافية لإظهار الخلاف المحتدم حول أفضل السبل لضمان عدم قدرة إيران على إنتاج سلاح نووي.
وسرعان ما نفى مكتب رئيس الوزراء الإسرائيلي تقارير "نيويورك تايمز" بشأن تخطيط إسرائيل لشن هجوم على إيران، إلا أن تقرير الصحيفة الأمريكية يبرهن التوتر الأمريكي الإسرائيلي، استنادًا إلى مقابلات مع مسؤولين في الولايات المتحدة الأمريكية، وأوروبا، وإسرائيل، شاركوا في الدبلوماسية والنقاش بين الحكومتين الأمريكية والإسرائيلية، وأصرّوا على عدم الكشف عن هويتهم لأنهم غير مخولين بمناقشة دبلوماسية حساسة.
استغلال لحظة ضعف إيران
وإلى جانب المكالمة الهاتفية جرت سلسلة من الاجتماعات في الأيام الأخيرة بين كبار المسؤولين بالإدارة الأمريكية وكبار المسؤولين الإسرائيليين، وقال ترامب، الأحد الماضي، إنه "قد يكون هناك شيء جيد بشأن جهوده للحد من البرنامج النووي الإيراني في اليومين المقبلين".
وقال آخرون مطلعون على المفاوضات، "إنه في أحسن الأحوال، سيكون هناك إعلان لبعض المبادئ المشتركة، ولا تزال التفاصيل قيد النقاش طي الكتمان، ومن المرجح أن تُمهد الطريق لمزيد من المفاوضات، بدءًا من إمكانية استمرار إيران في تخصيب اليورانيوم بأي مستوى، وكيفية تخفيف مخزوناتها من الوقود شبه القابل للاستخدام في صنع القنابل النووية أو نقلها إلى خارج البلاد".
وذكرت صحيفة نيويورك تايمز، أبريل الماضي، أن إسرائيل كانت تخطط لضرب مواقع نووية إيرانية، هذا الشهر، لكن ترامب رفض ذلك، في الوقت الذي يواصل نتنياهو الضغط من أجل العمل العسكري دون مساعدة أمريكية.
ويكمن جوهر التوتر بين نتنياهو وترامب في أن إسرائيل ليست مشاركة في المفاوضات، إلى جانب اختلاف وجهات نظرهما حول أفضل السبل لاستغلال لحظة ضعف إيران، وأكتوبر الماضي، دمرت إسرائيل عناصر أساسية من منظومة الدفاع الجوي الاستراتيجية الإيرانية، التي أسهمت في حماية المنشآت النووية الإيرانية، وهذا من شأنه أن يُمكّن الطائرات الإسرائيلية من الاقتراب من حدود إيران دون خوف من استهدافها.
مخاوف إسرائيلية من مجد ترامب
وجادل نتنياهو بأن ضعف إيران لن يدوم طويلًا، وأن الوقت مناسب لشن هجوم، بينما يرى ترامب أن ضعف إيران يجعل هذه اللحظة مثالية للتفاوض على إنهاء برنامج التخصيب الإيراني، مدعومًا بالتهديد بالعمل العسكري حال فشل المحادثات.
ويخشى المسؤولون الإسرائيليون أن يكون ترامب الآن حريصًا جدًا على التوصل إلى صفقة خاصة به يسوقها على أنها أقوى من تلك التي توصلت إليها إدارة أوباما، عام 2015، لدرجة أنه سيسمح لإيران بالاحتفاظ بمرافق تخصيب اليورانيوم.
وأبريل الماضي، أصر نتنياهو على أن الصفقة الجيدة الوحيدة ستكون تفكيك كل البنية الأساسية للمنشآت النووية الإيرانية الضخمة، التي تقع تحت الصحراء في نطنز، وفي عمق جبل بموقع يُسمى فوردو، وفي منشآت منتشرة بجميع أنحاء البلاد.
هجوم في 7 ساعات
أشار مسؤولون إسرائيليون إلى إدارة ترامب قبيل أول زيارة خارجية رسمية له إلى الشرق الأوسط، مايو الجاري، أنهم مستعدون لمهاجمة المواقع النووية الإيرانية، وفقًا لشخصين مطلعين على المناقشات، كما رصدت الاستخبارات الأمريكية استعدادات إسرائيلية لشن هجوم.
ودفع الرئيس الأمريكي إلى التحدث مع رئيس الوزراء الإسرائيلي، الذي لم ينكر أنه أمر وكالاته العسكرية والاستخباراتية بالاستعداد لضربة، وهي أحد مخاوف المسؤولين الأمريكيين بأن تل أبيب قد تُقرر ضرب إيران دون سابق إنذار.
وقدّرت الاستخبارات الأمريكية أن إسرائيل قد تُجهّز لشنّ هجوم على إيران في غضون سبع ساعات فقط، ما يُقلّل من الوقت المُتاح للضغط على نتنياهو لإلغاء الهجوم، لكن هذا التقييم العسكري الأمريكي نفسه أثار تساؤلات حول مدى فعالية ضربة إسرائيلية أحادية الجانب دون دعم أمريكي، ويعتقد بعض المسؤولين الإسرائيليين المقربين من نتنياهو أن الولايات المتحدة لن يكون أمامها خيار سوى مساعدة إسرائيل عسكريًا إذا شنت إيران هجومًا مضادًا.
وقال مسؤولون إسرائيليون لنظرائهم الأمريكيين، إن "نتنياهو قد يأمر بشن هجوم على إيران حتى لو تم التوصل إلى اتفاق دبلوماسي ناجح".
ضربة دون مساعدة أمريكية
بعد لقاء ترامب في البيت الأبيض، أبريل الماضي، أمر نتنياهو مسؤولي الأمن القومي الإسرائيلي بمواصلة التخطيط لضربة على إيران، بما في ذلك عملية أصغر حجمًا لا تتطلب مساعدة أمريكية، وفقًا لعدة أشخاص مطلعين على الأمر، وأصبح لدى إسرائيل بالفعل خطط متنوعة قيد الإعداد، تتراوح بين العمليات الصغيرة وقصف المنشآت الإيرانية على مدى أيام طويلة، بما في ذلك بعض المنشآت في المدن المزدحمة.
وطوال عقوده في الحكومة الإسرائيلية، أبدى نتنياهو تشككه في المبادرات الدبلوماسية تجاه طهران، بعد أن عارض اتفاق عام 2015، وسعى إلى إفشاله، حتى إنه خاطب جلسة مشتركة للكونجرس طالبًا بإلغاء الاتفاق.
وخلال ولاية الرئيس الأمريكي الأسبق باراك أوباما، عارض ترامب الاتفاق النووي الإيراني، الذي استغرق عامين، واصفًا إياه بـ"الكارثة" لأنه سمح لإيران بمواصلة التخصيب بمستويات منخفضة، وانسحب من الاتفاق عام 2018، وأعاد فرض العقوبات الاقتصادية على إيران، غير أنه على مدى السنوات الأربع الماضية، لم يكتفِ الإيرانيون بإحياء وتحسين منشآتهم النووية، بل أنتجوا أيضًا يورانيوم مخصبًا بنسبة نقاء 60%، أي أقل بقليل مما يُعتبر "درجة القنبلة".
سلاح نووي في شهور قليلة
وقدّر مسؤولون استخباراتيون أمريكيون أن تحويل هذا اليورانيوم إلى وقود مخصب بنسبة 90% لصنع قنبلة نووية سيستغرق بضعة أسابيع، وأن إنتاج سلاح نووي فعلي سيستغرق ما بين بضعة أشهر وعام.
ويتركز الخلاف الرئيسي في المفاوضات بين ويتكوف ونظيره الإيراني عباس عراقجي، على موقف إدارة ترامب القاضي بوجوب وقف إيران جميع أنشطة تخصيب المواد النووية على أراضيها، ورفض عراقجي هذا التقييد مرارًا وتكرارًا، مؤكدًا في منشور على مواقع التواصل الاجتماعي، الثلاثاء الماضي، "أنه إذا أصرت القوى الغربية على عدم تخصيب اليورانيوم في إيران، فلن يبقى لدينا ما نناقشه بشأن القضية النووية".