الموقع الرسمي | القاهرة الاخبارية

زيارة العلاقات الموثوقة.. ماكرون يواجه "شريعة الغاب" في جنوب آسيا

  • مشاركة :
post-title
إيمانويل ماكرون مع رئيس الوزراء الفيتنامي فام مينه تشينه - أرشيفية

القاهرة الإخبارية - سامح جريس

بدأ الرئيس الفرنسي إيمانويل ماكرون زيارة دبلوماسية مهمة تستمر ستة أيام إلى فيتنام وإندونيسيا وسنغافورة، في محاولة طموحة لترسيخ مكانة فرنسا وأوروبا كشركاء تجاريين وأمنيين مفضلين في منطقة جنوب شرق آسيا تشهد توترات متصاعدة بين القوتين العظميين الصين والولايات المتحدة، في حين تأتي هذه الزيارة في إطار استراتيجية فرنسية أكبر لتوسيع نفوذها في مناطق لم تكن تاريخيًا ضمن دائرة سيطرتها التاريخية.

الاستراتيجية الفرنسية

وصل ماكرون إلى فيتنام، مساء أمس الأحد، حاملًا رسالة واضحة حول تميز الشراكة الفرنسية الأوروبية عن النهج العدواني للقوى الكبرى الأخرى، وبحسب ما نقلته مجلة "فايننشال تايمز" عن مسؤول في قصر الإليزيه، فإن "فرنسا، إلى جانب الاتحاد الأوروبي، تمثل شريكًا موثوقًا ومتعهدًا بقضايا السيادة ومحترمًا لاستقلالها".

تستغل فرنسا الظروف الراهنة التي تشهد فرض الرئيس الأمريكي دونالد ترامب تعريفات جمركية عالية على دول جنوب شرق آسيا، إذ ضرب ترامب الشهر الماضي فيتنام وإندونيسيا ودولًا أخرى في المنطقة بأعلى معدلات التعريفات "المتبادلة" بعد الصين.

أكد المسؤول الفرنسي أن ماكرون سيشدد على أن الاتحاد الأوروبي لا يزال يدعّم قواعد التجارة الدولية، على عكس الإدارة الأمريكية الحالية، قائلًا: "نحن لا نريد غابة تسود فيها شريعة الأقوى".

صفقة إيرباص

وفي السياق ذاته، وقعت فرنسا وفيتنام، اليوم الاثنين، صفقة لشراء 20 طائرة من إيرباص، بجانب اتفاقيات في مجالي الدفاع والفضاء، إذ شملت الصفقات الموقعة خلال زيارة ماكرون، التعاون في الطاقة النووية والدفاع والنقل بالسكك الحديدية والنقل البحري، إضافة إلى أقمار إيرباص الصناعية لمراقبة الأرض ولقاحات سانوفي. وبلغ إجمالي الاتفاقيات الموقعة 14 صفقة، مع توقع بإعلان المزيد من الاتفاقيات، غدًا الثلاثاء.

الأولويات الأمنية في المحيطين

وأوضحت الصحيفة البريطانية أن الاهتمامات الأمنية ستحتل مكانة بارزة في جدول أعمال الزيارة، خاصة مع الوجود البحري الصيني المتزايد في بحر الصين الجنوبي والتوترات المتصاعدة حول تايوان، إذ تسعى فرنسا لتقديم نفسها كقوة "إندو-باسيفيكية" موثوقة، مستفيدة من أقاليمها فيما وراء البحار في المحيطين الهندي والهادئ، مثل لا ريونيون ومايوت، التي تضم نحو 1.7 مليون نسمة، إضافة إلى فرقاطاتها البحرية التي تقوم بدوريات في بحر الصين الجنوبي وقواعدها العسكرية المتعددة في المنطقة الواسعة.

دبلوماسية الخيزران

تشهد فيتنام، التي برزت كقوة تصنيعية وسط التحول العالمي في الإنتاج بعيدًا عن الصين، تطورًا ملحوظًا في علاقاتها مع فرنسا، ففي أكتوبر الماضي رفعت هانوي علاقاتها مع باريس إلى مستوى "الشراكة الاستراتيجية الشاملة"، وهو أعلى مستوى من العلاقات الدبلوماسية تقدمه فيتنام.

تسعى فيتنام، المهددة بتعريفة ترامب البالغة 46%، إلى تنويع تجارتها بعيدًا عن الولايات المتحدة التي تستحوذ على ثلث صادراتها، وتوقيع اتفاقيات تجارة حرة مع دول في آسيا وإفريقيا وأمريكا اللاتينية.

تعتمد فيتنام على سياستها الخارجية المستقلة الموصوفة بـ"دبلوماسية الخيزران" لـ"جذورها القوية" و"أغصانها المرنة"، ما يساعدها على موازنة علاقاتها مع القوى العظمى.

ووفقاً لوسائل الإعلام الفيتنامية الرسمية، من المتوقع أن يناقش ماكرون في هانوي التعاون في الاقتصاد والدفاع والأمن والطاقة، مع توقيع اتفاقية حول خط نقل الطاقة.

شراكة دفاعية طويلة الأمد

بعد فيتنام، سيتوجه ماكرون إلى إندونيسيا الغنية بالموارد، إذ يسعى الرئيس برابوو سوبيانتو إلى استقطاب الاستثمارات الأجنبية لتحفيز اقتصاد بلاده الذي يشهد تباطؤًا.

كانت إندونيسيا اشترت سابقًا معدات دفاعية فرنسية، بما في ذلك مقاتلات رافال وغواصات سكوربين، في إطار سعيها لتقليل الاعتماد التاريخي على الأسلحة الروسية.

تتوقع سيلين باجون، رئيسة أبحاث اليابان والمحيطين الهندي-الهادئ في معهد العلاقات الدولية الفرنسي، إعلان المزيد من العقود خلال الزيارة، مضيفة أن "فرنسا وإندونيسيا تعتزمان رفع الشراكة الدفاعية إلى مستوى طويل الأمد وهيكلي"، كما أكدت الحكومة الإندونيسية في بيان هذا الشهر أن زيارة ماكرون تعكس "التزام البلدين بتعزيز التعاون في مواجهة التحديات العالمية".

يخطط ماكرون أيضًا لمناقشة تنويع وصول فرنسا إلى المواد الحيوية لإنتاج الهواتف الذكية وأشباه الموصلات أثناء وجوده في إندونيسيا، المنتج الرئيسي لهذه المعادن، في إطار الاستراتيجية الفرنسية لتقليل الاعتماد على الصين في سلاسل التوريد الحيوية.

الإعلان عن الاستراتيجية الآسيوية

يختتم ماكرون زيارته في سنغافورة، إذ سيلقي ماكرون خطابًا في حوار شانجري-لا، أكبر منتدى دفاعي في آسيا.

تؤكد رئيسة الأبحاث في معهد العلاقات الدولية الفرنسي أن "هذه هي المرة الأولى التي يُدعى فيها زعيم أوروبي لإلقاء هذا الخطاب، وهذا اعتراف بكيفية تطوير ماكرون لاستراتيجية حقيقية للمحيطين الهندي-الهادئ، كما شجّع الاتحاد الأوروبي على اعتماد استراتيجية واحدة أيضًا".

تجدر الإشارة إلى أن فيتنام وسنغافورة لديهما بالفعل اتفاقيات تجارة حرة مع الاتحاد الأوروبي، بينما تواصل إندونيسيا المحادثات لإقامة واحدة، كما تمثل هذه الزيارة خطوة مهمة في استراتيجية فرنسا لتوسيع نفوذها الجيوسياسي خارج مناطق نفوذها التاريخية، مستغلة التوترات الدولية الراهنة لتقديم نموذج بديل للشراكة الدولية يقوم على الاحترام المتبادل والتعاون طويل الأمد.