في الوقت الذي تُواصل فيه إسرائيل توسيع نطاق حربها داخل الأراضي المُحتلة، تزداد حدة معركة المعلومات، جنبًا إلى جنب مع الأعمال القتالية، فقد منعت إسرائيل الصحفيين الأجانب من دخول قطاع غزة إلّا عبر خيار واحد، وهو قضاء بضع ساعات داخل القطاع برفقة جيش الاحتلال الإسرائيلي.
وتجنبًا لذلك، تعامل الصحفيون ووسائل الإعلام الأجنبية مع التعتيم الإسرائيلي بالعمل مع الصحفيين والمراسلين المستقلين الفلسطينيين المحليين، أو أولئك الموجودين بالفعل في غزة؛ لجمع المعلومات واللقطات والقصص، ومن خلال التغطية عن بُعد.
حتى تصاريح الدخول التي يعطيها جيش الاحتلال الإسرائيلي مُنحت بطرق محدودة وتعسفية وغير شفافة، وفقًا لمراسلين أجانب في إسرائيل؛ كما نقل تقرير لصحيفة "هآرتس" العبرية.
وحسب التقرير، يُشكّل التعنت الإسرائيلي مع الصحفيين عائقًا كبيرًا أمام التغطية المباشرة والتحقيقات طويلة الأمد، خاصةً بالنسبة للوسائل الإعلامية الصغيرة أو الصحفيين المستقلين الذين لا يملكون الموارد اللازمة لتوظيف كوادر محلية في غزة.
معارك قانونية
في أواخر عام 2023، رفعت جمعية الصحافة الأجنبية في إسرائيل التماسًا إلى المحكمة العليا الإسرائيلية ضد وزير الدفاع والمسؤولين العسكريين المعنيين. في يناير 2024، رفضت المحكمة الالتماس رفضًا قاطعًا، مؤكدةً موقف حكومة بنيامين نتنياهو القائل بأن السماح للصحفيين بالدخول "يُشكل خطرًا أمنيًا عليهم وعلى القوات، ويهدد المجهود الحربي".
مع هذا، في خريف عام 2024، قدّمت رابطة الصحفيين الأجانب التماسًا جديدًا، وانضمّ إليها اتحاد الصحفيين في إسرائيل بعريضة "صديق المحكمة"، وهي عريضة داعمة من جهات خارجية، وقد حدّدت المحكمة العليا مواعيد جلسات الاستماع وأجّلتها مرارًا.
ردًا على الالتماس الأول المقدم إلى جمعية مفاوضي فلسطين في أواخر عام 2023، زعمت إسرائيل أن نقطة الدخول الوحيدة إلى غزة للأفراد -على النقيض من معابر الشحن- كانت معبر بيت حانون "إيريز"، الذي دُمر في أكتوبر 2023، وسوف يحتاج إلى إعادة بناء لهذا الغرض.
علاوة على ذلك، جادلت الحكومة الاحتلال بأن "تجوال الصحفيين بحرية في غزة قد يُعرّضهم والجنود والمجهود الحربي للخطر. فقد يكشفون، دون قصد، مواقع قوات الجيش الإسرائيلي ويعرّضونها للخطر"، وقد قبلت المحكمة العليا جميع هذه الحجج في رفضها التماس رابطة الصحافة الأجنبية.
وفي الحكم الصادر في يناير 2024، تطرق القضاة إلى "حرية الصحافة"، وزعموا أن "الجيش الإسرائيلي قدم توازنًا عادلًا بين المخاوف بالسماح للصحفيين بالدخول معه"، حسب وجهة نظرهم.
فراغ المعلومات
إلى جانب ركيزة أساسية مفقودة من المعلومات الموثوقة عبر التغطية الإعلامية الأجنبية المستقلة، تتدفق الوثائق غير الرسمية عبر موجات البث الإلكتروني عبر منصات التواصل الاجتماعي. هنا، يكافح الجمهور لمعرفة ما هو موثوق وما هو غير موثوق إن كان مهتمًا حقًا.
وبينما يستخدم البعض معلومات منصات التواصل الاجتماعي أساسًا لإرضاء قناعات سياسية راسخة، ويستخدمها آخرون بحسن نية لتضخيم الأخبار، فإن قليلين هم من يمتلكون الأدوات اللازمة للتحقق من المعلومات.
ونقلت "هآرتس" عن ثلاثة أعضاء من مجلس إدارة رابطة الصحفيين الفلسطينيين، يمثلون وكالات CNN وAP وDeutsche Welle، إشادة بـ"العمل البطولي" لزملائهم، لكنهم أشاروا إلى أنهم يواجهون "مخاطر وصعوبات لا تُصدق لتغطية الواقع على الأرض، لا يمكنهم تحمل عبء تغطية هذه الحرب بأنفسهم، وقدراتهم على القيام بذلك تُستنزف طاقاتهم إلى أقصى حد"، حيث تشمل هذه المخاطر تهديدات مباشرة لحياتهم.
وقدّرت لجنة حماية الصحفيين مقتل 180 صحفيًا إجمالًا (بما في ذلك في غزة والضفة الغربية وإسرائيل ولبنان) منذ بدء الحرب وحتى مايو، بينما قدرت منظمة "مراسلون بلا حدود" -ومقرها باريس- مقتل ما يقرب من 200 صحفي في قطاع غزة وحدها على يد جيش الاحتلال الإسرائيلي.
وتلفت "هآرتس" إلى أنه "نفدت ذرائع منع الصحفيين الأجانب، حتى قرار المحكمة العليا الصادر مطلع عام 2024 أشار إلى أنه في حال تغير الوضع الأمني، فقد يكون للصحفيين حق أقوى".
وجادلت مذكرة "صديق المحكمة" الصادرة عن نقابة الصحفيين الإسرائيليين، والتي قُدّمت بعد أحد عشر شهرًا من بدء الحرب، بأن الوضع قد تغير بالفعل، وأصبح العمل أكثر أمانًا، علاوة على ذلك "لا نهاية تلوح في الأفق"، كما كتب الاتحاد.
وأكد التقرير أنه "لا يمكن لأي وسيلة إعلامية أجنبية أن تُسوّق هذه الحرب المدمرة، كما تُريد إسرائيل، لكن حظر وسائل الإعلام الأجنبية لن يمحو الحقيقة أبدًا، إنه يهدف أساسًا إلى تعويد إسرائيل على الحكم الاستبدادي، مع حريات أقل، وحقائق أقل، وإنسانية أقل".