الموقع الرسمي | القاهرة الاخبارية

رصيد "النية الحسنة" نفد.. إسرائيل في مرمى الغضب الأوروبي

  • مشاركة :
post-title
بنيامين نتنياهو رئيس الوزراء الإسرائيلي

القاهرة الإخبارية - عبدالله علي عسكر

دُمرت شوارع غزة تحت وقع القصف، لكن هذه المرة لا تتصدع فقط بيوت الفلسطينيين، بل تصدّع معها جدار الصمت الدولي، فبينما كانت إسرائيل تمضي في حربها المفتوحة منذ 7 أكتوبر 2023، مستندة إلى دعم عسكري أمريكي ونوايا حسنة أوروبية، بدأت الآن بعض العواصم الغربية من لندن، وباريس، وأوتاوا في سحب غطاء التضامن.

نعم لقد نفد رصيد "النية الحسنة"، وارتفعت أصوات ثلاث دول كبرى، لتدعو علنًا ولأول مرة إلى وقف فوري للهجوم الإسرائيلي، وذلك وفق تحليل نشرته شبكة "بي بي سي" البريطانية.

الغرب يبدل نبرته

خاضت إسرائيل حربها ضد قطاع غزة عقب هجوم 7 أكتوبر 2023، مسلّحة بترسانة أمريكية الصنع ومعبأة بموجة من التضامن الدولي، خاصة من قبل دول غربية كالمملكة المتحدة وفرنسا وكندا، لكن هذا التضامن، الذي استند إلى الغضب من مقتل 1200 شخص، أغلبهم من المدنيين الإسرائيليين، وخطف 251 محتجزًا إلى غزة، بدأ يتآكل، وفق "بي بي سي".

وفي تطور غير مسبوق، أصدرت حكومات الدول الثلاث (المملكة المتحدة وفرنسا وكندا) بيانًا مشتركًا شديد اللهجة، دعت فيه إلى وقف فوري للهجوم العسكري الجديد الذي أطلقه رئيس الوزراء الإسرائيلي بنيامين نتنياهو، وأعربت عن "معارضة شديدة لتوسيع العمليات العسكرية في غزة"، مؤكدة أن "مستوى المعاناة الإنسانية لا يُطاق".

وأضاف البيان أن دعم إسرائيل في الدفاع عن نفسها لا يعني التغاضي عن التصعيد العسكري الذي وصفوه بأنه "غير متناسب على الإطلاق"، كما انتقدت هذه الدول قرار نتنياهو بالسماح بإدخال كميات محدودة جدًا من المساعدات، معتبرة إياه "غير كافٍ على الإطلاق".

نتنياهو يرد بحدة

رئيس الوزراء الإسرائيلي رد على البيان بلهجة حادة، قائلًا إن قادة لندن وأوتاوا وباريس "يمنحون جائزة ضخمة للهجوم الإبادي في السابع من أكتوبر، ويدعون إلى المزيد من هذه الفظائع"، وأكد أن الحرب لن تتوقف إلا إذا أعادت حماس المحتجزين وألقت سلاحها، ووافقت على نفي قادتها وتحويل غزة إلى منطقة منزوعة السلاح.

نتنياهو، المطلوب بموجب مذكرة توقيف من المحكمة الجنائية الدولية بتهم ارتكاب جرائم حرب وجرائم ضد الإنسانية التي وصفها بأنها "معادية للسامية" يواجه ضغوطًا غير مسبوقة لإنهاء الحرب، خاصة بعد أن حذرت تقارير دولية من مجاعة وشيكة في غزة.

مقتل 15 مسعفًا وعامل إغاثة في قافلة طبية في غزة بتاريخ 23 مارس
صدمة رمزية

البيان الغربي الأخير لم يأتِ من فراغ، بل جاء على خلفية حادثة هزت الضمير العالمي بعد مقتل 15 مسعفًا وعامل إغاثة في قافلة طبية في غزة بتاريخ 23 مارس، بعد أيام فقط من استئناف القتال إثر هدنة استمرت شهرين.

وهاجمت القوات الإسرائيلية القافلة، ودفنت الجثث ومركبات الإسعاف تحت الرمال، غير أن مقطع فيديو تم العثور عليه في هاتف محمول داخل إحدى الجثث، أظهر بوضوح أن القافلة لم تكن تهديدًا، بل تم استهدافها بشكل منهجي رغم وضوح شارات الطوارئ والإضاءة، هذا الفيديو دحض الرواية الإسرائيلية وأشعل موجة من الغضب داخل الأوساط الأوروبية.

أوروبا تُصعّد

رئيس المجلس الأوروبي، أنطونيو كوستا، وصف الأزمة الإنسانية في غزة بأنها "مأساة تُنتهك فيها قوانين الحرب بشكل منهجي، ويتعرض فيها شعب بأكمله لقوة عسكرية غير متناسبة"، وأضاف خلال قمة في لندن مع بريطانيا أن "الوصول الآمن والسريع ودون عوائق للمساعدات الإنسانية أمر لابد منه".

مصدر دبلوماسي أوروبي رفيع المستوى كشف وفق "بي بي سي" أن بيان لندن وباريس وأوتاوا يعكس "غضبًا سياسيًا متصاعدًا وإحساسًا بأن الحكومة الإسرائيلية تتصرف وكأنها فوق المحاسبة"، والأخطر من ذلك، أن البيان تضمن تحذيرًا: "إذا لم توقف إسرائيل هجومها العسكري المتجدد وترفع القيود عن المساعدات، فسنتخذ خطوات ملموسة".

لم تُحدد تلك الدول ما تقصده بـ"خطوات ملموسة"، إلا أن خيارات مثل فرض عقوبات أو اتخاذ قرارات دبلوماسية جذرية تبدو مطروحة.

فرنسا، على سبيل المثال، تدرس الانضمام إلى 148 دولة سبق أن اعترفت بدولة فلسطين، وقد تشارك في مؤتمر بهذا الخصوص تنظمه السعودية في نيويورك بداية يونيو، كما جرت مناقشات مشابهة بين بريطانيا وفرنسا، خطوة كهذه قد تُحدث تحوّلًا جوهريًا في مواقف الغرب من الصراع الإسرائيلي الفلسطيني.

ائتلاف نتنياهو يتصدع

قرار نتنياهو بالسماح بدخول خمس شاحنات مساعدات فقط إلى غزة أمس الاثنين قوبل بإدانة من شركائه المتطرفين في الائتلاف الحكومي، فوزير الأمن القومي، إيتمار بن جفير، الذي أدين سابقًا بالتحريض على العنصرية، قال إن السماح بالمساعدات "يمنح حماس الأوكسجين بينما يعاني محتجزينا في الأنفاق".

في الوقت نفسه، واصلت القوات الإسرائيلية توغلها في غزة، حيث أسفرت الضربات الجوية والمدفعية عن مقتل المزيد من المدنيين، من بينهم عدد من الأطفال.

الوقت ينفد

يرى العديد من المعارضين للحرب أن بيان لندن وباريس وأوتاوا جاء متأخرًا جدًا، فقد خرج الملايين في مظاهرات مستمرة منذ شهور في شوارع أوروبا وأمريكا، احتجاجًا على الهجمات في غزة، وقتل المدنيين، ومصادرة الأراضي في الضفة الغربية، وتغول المستوطنين.

لكن حادثة مقتل المسعفين وما تلاها من مشاهد صادمة، قلبت الموازين على ما يبدو، ودفعت الحكومات الغربية للتحرك، والآن، إسرائيل تواجه خطرًا غير مسبوق، فخسارة تأييد حلفاء تاريخيين لطالما شكلوا حزام الأمان الدولي لها.