في أكثر البقع المحاصرة في العالم، دخلت خمس شاحنات من المساعدات إلى غزة بعد أحد عشر أسبوعًا من التجويع والحصار، خمس شاحنات فقط، كأنها قطرة ماء تتساقط في صحراء تشتعل بنيران القصف، ولا تكفي لإخماد الجوع أو إنقاذ الأرواح، في خطوة جاءت على وقع ضغوط أمريكية ومخاوف من مجاعة قد تهز صورة إسرائيل في عيون أقرب حلفائها.
شاحنات متأخرة
أعلنت هيئة تنسيق أعمال الحكومة الإسرائيلية في المناطق (كوجت) مساء الاثنين أن خمس شاحنات تابعة للأمم المتحدة محملة بمساعدات إنسانية، بينها أغذية للأطفال، دخلت قطاع غزة عبر معبر كرم أبو سالم. وأتت هذه الخطوة بعد حصار خانق دام أحد عشر أسبوعًا، وخلف دمارًا واسعًا ونقصًا حادًا في المواد الغذائية والدواء والوقود.
ورحّب توم فليتشر، منسق الشؤون الإنسانية في الأمم المتحدة، بهذا التطور، لكنه وصفه بأنه "مجرد قطرة في محيط ما هو مطلوب بشكل عاجل"، وأوضح أن تسع شاحنات أخرى حصلت على الموافقة للدخول، لكنه شدد على ضرورة السماح بدخول المزيد من المساعدات بدءًا من صباح اليوم التالي.
في المقابل، أكد المتحدث باسم الأمم المتحدة، ستيفان دوجاريك، أن المساعدات لم تُلتقط داخل غزة بسبب "حلول الظلام والمخاوف الأمنية"، وفق ما نقلته وكالة فرانس برس.
ضغوط أمريكية
وبرر رئيس الوزراء الإسرائيلي بنيامين نتنياهو السماح المؤقت بدخول المساعدات بالقول إن قراره جاء بعد ضغوط من حلفائه في مجلس الشيوخ الأمريكي، وصرح في مقطع فيديو قائلاً: "لا ينبغي أن نصل إلى حالة المجاعة، سواء من الناحية العملية أو الدبلوماسية".
وأوضح أن هذه الخطوة لن تكون دائمة، بل مؤقتة إلى حين إنشاء جيش الاحتلال وشركات خاصة مراكز لتوزيع المساعدات وفق خطة مدعومة من الولايات المتحدة، رفضتها الأمم المتحدة.
وأشار نتنياهو إلى أن "أفضل أصدقائنا في العالم"، في إشارة إلى أعضاء مجلس الشيوخ الأمريكي، عبّروا عن رفضهم لرؤية صور الجوع في غزة، رغم دعمهم للعملية العسكرية ضد حماس.
رفض أممي
رغم استئناف دخول المساعدات، رفضت الأمم المتحدة وعدد من وكالات الإغاثة الخطة الأمريكية الإسرائيلية الجديدة لتوزيع الإمدادات، ووصفتها بأنها تتناقض مع المبادئ الإنسانية الأساسية مثل الحياد والاستقلال، مشيرة إلى أنها قد تؤدي إلى مزيد من النزوح والمعاناة، و"تخلق سابقة خطيرة" في عمليات الإغاثة العالمية.
وحذرت المنظمات الإنسانية أيضًا من أن هذه الآلية الجديدة ستستثني فعليًا الأشخاص ذوي الإعاقة وكبار السن والعاجزين عن التنقل، مما يعرض آلاف الأرواح للخطر.
أكد مسؤولون إسرائيليون أن الخطة ستكتمل خلال أسبوع، لكن الشيف خوسيه أندريس، رئيس مؤسسة "وورلد سنترال كيتشن" الأمريكية، شكك في هذه المواعيد، مغردًا على منصة X: "هذا غير صحيح، سيستغرق الأمر أسابيع، هذه الخطة ستترك الفلسطينيين جائعين، لدينا بالفعل نظام قائم لإطعام الفلسطينيين بمساعدة الفلسطينيين".
الجوع يفتك بالأطفال
قالت وزارة الصحة في غزة إن 57 طفلًا لقوا حتفهم بسبب سوء التغذية خلال الأسابيع الأحد عشر الماضية، كما حذر برنامج التصنيف المتكامل للأمن الغذائي التابع للأمم المتحدة من أن نصف مليون فلسطيني في غزة يواجهون المجاعة.
الأمم المتحدة أكدت أن إسرائيل مُلزمة بموجب القانون الإنساني الدولي بضمان إيصال الإمدادات الغذائية والطبية لسكان غزة، لكنها أشارت إلى وجود 8900 شاحنة مساعدات جاهزة للدخول، بينما لم تُسمح سوى لبضع شاحنات بالتنقل حتى الآن.
معارضة إسرائيلية
وأثار القرار الإسرائيلي غضب اليمين المتطرف في حكومة نتنياهو، إذ وصف وزير الأمن القومي إيتمار بن جفير السماح بدخول المساعدات بأنه "خطأ فادح"، وقال إنه "يغذي حماس ويمنحها الأكسجين بينما لا يزال رهائننا في الأنفاق".
من جهته، سعى وزير المالية المتشدد بتسلئيل سموتريتش إلى التخفيف من وطأة القرار، داعيًا الإسرائيليين إلى النظر إلى "الصورة الكبرى"، وأكد أن الهجوم الإسرائيلي يهدف إلى دفع سكان غزة نحو الجنوب، ومن ثم إلى دول ثالثة، في إشارة إلى خطة تهجير غير معلنة بشكل رسمي.
على الأرض، تواصل القصف الإسرائيلي على القطاع، حيث أفادت تقارير بمقتل أكثر من 40 شخصًا يوم الاثنين نتيجة الغارات الجوية، وفقًا لفرق الإنقاذ والمستشفيات، وشملت الضربات مدرسة تستخدم كمأوى للنازحين في مخيم النصيرات وسط القطاع؛ مما أدى إلى مقتل خمسة أشخاص على الأقل، وفقًا لوكالة "وفا" الفلسطينية.
بينما أكد الجيش الإسرائيلي أنه استهدف مركز قيادة لحماس، وأمر بإخلاء مدينة خان يونس وضواحيها الشرقية، محذرًا من "هجوم غير مسبوق".
ردود دولية
وأصدر زعماء كل من المملكة المتحدة وفرنسا وكندا وهم كير ستارمر، إيمانويل ماكرون، ومارك كارني بيانًا مشتركًا أكدوا فيه أن إدخال كمية محدودة من الغذاء إلى غزة "غير كافٍ على الإطلاق".
وحذروا من أن عدم رفع الحصار ووقف الهجوم العسكري سيقودهم إلى "اتخاذ إجراءات ملموسة أخرى"، دون توضيح ماهية هذه الإجراءات.
وبدأ الحصار الكامل على غزة في الثاني من مارس، مع تعليق كافة المساعدات والمواد التجارية، ثم استُؤنفت العمليات العسكرية بعد أسبوعين، منهية وقف إطلاق النار الذي استمر شهرين.
وتقول الأمم المتحدة إن هذه التطورات أسفرت عن مقتل أكثر من 3000 شخص ونزوح نحو 400 ألف آخرين، في حين تستمر التحذيرات من كارثة إنسانية شاملة في حال لم يتم تغيير المسار فورًا.