في الخامس عشر من مايو 2025، أعلنت جماعة نصرة الإسلام والمسلمين، المرتبطة بتنظيم القاعدة، مسؤوليتها عن سلسلة من الهجمات المنسقة في بوركينا فاسو ومالي، أسفرت عن مقتل العشرات، من بينهم 60 جنديًا في هجوم على قاعدة عسكرية ببلدة سولي شمال بوركينا فاسو. وجاء ذلك بعد أيام فقط من هجوم واسع النطاق، في الحادي عشر من مايو 2025، استهدف مناطق عدة شمال البلاد، وأدى إلى مقتل أكثر من 100 شخص، ما جعله أحد أكثر الهجمات دموية خلال هذا العام. وشهدت بلدة جيبو، المحاصرة منذ سنوات، معارك عنيفة تخللها استخدام مكثف للأسلحة الثقيلة، وسط تقارير عن انهيار مواقع للجيش وتقدم ميداني ملحوظ للمسلحين. أظهرت هذه التطورات تنامي القوة العسكرية والتنظيمية للجماعة، في مقابل تراجع واضح لدور الدولة وعجز القوات الحكومية عن فرض السيطرة أو حماية المدنيين، ما يعكس بوضوح حجم الأزمة الأمنية في منطقة الساحل الإفريقي.
صنّف تقرير "مؤشر الإرهاب العالمي" لعام 2024 منطقة الساحل الإفريقي كأخطر بؤر الإرهاب في العالم للعام الثاني على التوالي، إذ سقط فيها أكثر من نصف ضحايا الهجمات الإرهابية عالميًا، بواقع 3885 قتيلًا من أصل 7555، واعتُبرت مالي والنيجر وبوركينا فاسو الأكثر تضررًا، في ظل تصاعد نفوذ جماعتي "نصرة الإسلام والمسلمين" التابعة لتنظيم القاعدة الإرهابي، و"داعش في الصحراء الكبرى"، اللتين تتصارعان على النفوذ، وتوسعان عملياتهما نحو دول غرب إفريقيا.
تأسيسًا على ما تقدم، يسعى التحليل للإجابة عن سؤال: لماذا تنشط جماعة "نصرة الإسلام والمسلمين" في الساحل الإفريقي؟
تأويلات متعددة
تتعدد الأسباب التي تُفسر تمدد جماعة نصرة الإسلام والمسلمين في منطقة الساحل، وهي تتداخل بين عوامل داخلية وأخرى إقليمية ودولية، شكلت مجتمعة بيئة مواتية لنشاط التنظيم، تتمثل في:
(*) الفراغ السياسي الناجم عن التوترات السياسية: تُعد التوترات السياسية واحدة من أبرز العوامل التي أسهمت في نشاط جماعة نصرة الإسلام والمسلمين في منطقة الساحل الإفريقي، ولا سيما في دول مثل مالي وبوركينا فاسو. فمنذ عام 2020، شهدت المنطقة سلسلة من التوترات المتتالية نتج عنها اضطراب سياسي مزمن، ما يمنح الجماعات المسلحة فرصة للتمدد دون مواجهة فعالة. ومن ثم تستفيد جماعة نصرة الإسلام والمسلمين من غياب الدولة أو انشغالها بالصراعات الداخلية، لتوسيع سيطرتها على الأرض واستقطاب السكان المحليين.
(*) تراجُع مستوى أداء الاستراتيجية الدولية لمكافحة الإرهاب: رغم الجهود الدولية الممتدة منذ سنوات، بما في ذلك انتشار قوات فرنسية وأممية وإفريقية في منطقة الساحل، فإن الاستراتيجية الأمنية المتبعة لمكافحة الإرهاب أثبتت فشلها في الحد من تصاعد نفوذ جماعة نصرة الإسلام والمسلمين والجماعات الجهادية الأخرى. كما أن انسحاب فرنسا من مالي في 2022، الذي شكّل ضربة قوية للوجود الدولي بالمنطقة وأدى إلى تصاعد حدة التوتر بين الحكومات العسكرية المحلية والداعمين الغربيين، خاصة مع تزايد الاعتماد على شركاء غير تقليديين مثل مجموعة "فاجنر"، أحدث فراغًا أمنيًّا استغلته الجماعة بسرعة فوسّعت نطاق عملياتها.
(*) استغلال التنوع العرقي والقبلي: تمثل البنية العرقية والقبلية المعقدة في منطقة الساحل عاملًا بالغ الأهمية في فهم استراتيجيات جماعة نصرة الإسلام والمسلمين، التي تُتقن استغلال هذه التوترات المتجذرة تاريخيًا لتعزيز نفوذها الميداني. ففي ظل تهميش مزمن تتعرض له بعض المكونات القبلية، خاصة من قبائل الفولاني، استطاعت الجماعة أن تُقدم نفسها كمدافع عن حقوق هذه الجماعات، بل وكقوة تُعيد التوازن في وجه القبائل الأخرى المدعومة من الدولة أو من الميليشيات المحلية، مثل جماعات "الدوزو" أو "الميليشيات القبلية" في مالي وبوركينا فاسو. هذا التكتيك يمنحها قاعدة اجتماعية واسعة تسهّل عمليات التجنيد والتخفي، كما أنه يُحوّل النزاعات المحلية إلى صراعات مؤدلجة تصب في مصلحة المشروع الجهادي العابر للحدود.
سيناريوهات محتملة
في ظل نشاط جماعة نصرة الإسلام والمسلمين بمنطقة الساحل الإفريقي، من المرجح:
(*) توسع نفوذ الجماعة وتحولها إلى كيان فعلي: حال استمر ضعف الدول المركزية بمنطقة الساحل، خاصة في مالي وبوركينا فاسو والنيجر، مع غياب الاستقرار السياسي وتراجع الدعم الدولي وتفكك التنسيق الإقليمي، فإن جماعة نصرة الإسلام والمسلمين ستكون أمام فرصة سانحة لتوسيع رقعة سيطرتها الميدانية، ومن المرجح أن تركّز الجماعة على المناطق الريفية والحدودية، إذ تغيب الدولة وتتفشى مظاهر التهميش والفقر، لتفرض نوعًا من الإدارة البديلة المبنية على الشريعة.
(*) صراع بين الجماعات الجهادية: قد يشهد الساحل الإفريقي تصاعدًا في الصراع بين الجماعات الجهادية، تحديدًا بين جماعة نصرة الإسلام والمسلمين المرتبطة بتنظيم القاعدة، وتنظيم داعش في الصحراء الكبرى، في ظل تنافس محتدم على مناطق النفوذ والتجنيد والموارد الحيوية مثل طرق التهريب والمعابر الحدودية. ورغم أن الطرفين يتشاركان في المرجعيات "الجهادية"، فإن الخلافات حول الزعامة والولاءات تؤجج العداء بينهما، واندلعت بالفعل مواجهات دموية في مناطق مثل ميناكا وتيلابيري خلال السنوات الماضية، وبالتالي قد يفتح الباب أمام مزيد من الفوضى ويزيد من صعوبة الاستجابة الأمنية الموحدة في المنطقة.
(*) تدخُل دولي حاسم يُعيد التوازن: في حال توحدت القوى الدولية الكبرى مثل فرنسا وروسيا وأمريكا واتفقت على تنسيق الجهود الأمنية بشكل فعّال، مع تقديم دعم حقيقي للجيوش الوطنية في دول الساحل، فقد يشهد الوضع الأمني تحولًا إيجابيًا، مما يساهم في استعادة الأراضي التي تحت سيطرة الجماعات المسلحة، بما في ذلك نصرة الإسلام والمسلمين، كما يمكن أن تساهم في احتواء توسع الجماعة. لكن نجاح هذا السيناريو يتطلب تنسيقًا حقيقيًا بين القوى الدولية والمحلية، وتفادي الانقسامات الجيوسياسية التي قد تضعف هذه الجهود.
(*) اندماج سياسي محدود من بعض الفصائل: في حال فشل الحل العسكري واستمرار تصاعد الضغط المحلي والدولي، قد يُطرَح خيار إدماج بعض الفصائل المحلية من جماعة نصرة الإسلام والمسلمين في العملية السياسية كحل وسط، وقد يشمل هذا الخيار فصائل مثل حركة ماسينا التي تتمتع بدعم قبلي محلي وتركز على القضايا العرقية والقبلية في منطقة وسط مالي. في حال أبدت هذه الفصائل استعدادًا للحوار، قد يتم التفاوض معها على وقف العنف مقابل الاعتراف السياسي بها ودمجها في العملية السياسية. هذا السيناريو قد يكون مشابهًا لما حدث مع حركات سابقة في منطقة أزواد، حيث تم التوصل إلى اتفاقات مؤقتة مع بعض الجماعات الجهادية المحلية في الماضي. ومع ذلك، فإن نجاح هذا السيناريو يعتمد على قبول الفصائل المسلحة شروط التسوية والقدرة على تنفيذ الاتفاقات بشكل عملي.
ختامًا، إن نشاط جماعة "نصرة الإسلام والمسلمين" في منطقة الساحل الإفريقي يعكس خللاً عميقًا في البنية السياسية والاجتماعية للدول المتأثرة، حيث تجد هذه الجماعة فرصتها في الفراغ الأمني، وغياب التنمية، وتهميش المجتمعات المحلية. فقد وجدت هذه الجماعة في البيئة المضطربة أرضًا خصبة للتمدد، وفي معاناة الناس فرصة للتجنيد، وفي الانقسامات السياسية ثغرات استراتيجية مكّنتها من فرض نفسها كلاعب رئيسي في المنطقة. ومن أجل من أجل كبح هذا النشاط، يجب أن تتبنى دول الساحل استراتيجيات شاملة تتضمن تعزيز الأمن الداخلي من خلال معالجة الأسباب التي تشجع على التطرف؛ لأن استمرارية فشل الحكومات في مواجهة هذه التحديات سيضمن بقاء "نصرة الإسلام والمسلمين" قوة متنامية تهدد استقرار منطقة الساحل الإفريقي.