منح الاتفاق الجزئي على الإفراج عن ألف أسير من كل طرف، أول محادثات سلام مباشرة بين روسيا وأوكرانيا منذ عام 2022، بعضًا من الزخم، رغم فشلها في تحقيق أي تقدم ملموس بشأن وقف إطلاق النار.
تمسكت موسكو بمطالبها القصوى تجاه كييف، في وقت يلعب فيه الرئيس الأمريكي دونالد ترامب دورًا مثيرًا للجدل في المعادلة الدبلوماسية المعقدة.
مواجهة دبلوماسية حادة
عُقدت المحادثات في قصر دولما بهتشه بمدينة إسطنبول التركية، دون حضور الرئيسين الروسي فلاديمير بوتين أو الأوكراني فولوديمير زيلينسكي.
وكشفت الصور من الاجتماع عن تباين واضح ووهو صف من المندوبين الروس ببدلات داكنة يجلسون مقابل الأوكرانيين الذين يرتدون زيهم العسكري المموه الأخضر المميز.
وأوضحت صحيفة "ذا جارديان" البريطانية أن المحادثات لم تستمر أكثر من ساعتين، ورفضت روسيا خلالها اقتراح أوكرانيا بوقف إطلاق النار لمدة 30 يومًا قبل الدخول في مفاوضات جوهرية، وبدت متمسكة بمطالب تفرض قيودًا شاملة على السيادة الأوكرانية.
نجاح محدود
كانت النتيجة الملموسة الوحيدة للمفاوضات اتفاق الجانبين على تبادل 1000 أسير حرب من كل طرف، فيما يمثل أكبر عملية تبادل للأسرى منذ بداية الصراع.
وعلى الرغم من محدودية هذا الإنجاز في سياق الصراع الشامل، إلا أنه يشكل خطوة إنسانية مهمة وسط تصاعد العمليات العسكرية.
وأشار فلاديمير ميدينسكي، رئيس الوفد الروسي، إلى أن موسكو راضية عن النتائج ومستعدة لمواصلة الحوار مع كييف، فيما ذكر الجانبان أنهما ناقشا إمكانية تنظيم لقاء مباشر بين زيلينسكي وبوتين، اللذين لم يلتقيا سوى مرة واحدة في عام 2019.
مكاسب بوتين وخسائر زيلينسكي
أشارت الصحيفة البريطانية إلى أنه على الرغم من عدم تحقيق تقدم نحو إنهاء الصراع، يمثل الاجتماع نصرًا رمزيًا لبوتين، الذي نجح في رفض مطلب وقف إطلاق النار لمدة 30 يومًا الذي كان حلفاء أوكرانيا الأوروبيون قد وضعوه كشرط مسبق للمفاوضات.
وقال مراسلو "ذا جارديان" إن الرئيس الروسي يمارس توازنًا دقيقًا مع نظيره الأمريكي، إذ يظهر دعمه لمحادثات السلام للبقاء في صالح ترامب، بينما يدفع في الوقت نفسه نحو شروط تؤدي فعليًا إلى استسلام أوكرانيا.
وتعتبر نتيجة المفاوضات انتكاسة لزيلينسكي، خاصة بعد مقامرته الدبلوماسية بتحدي بوتين للقاء مباشر على أمل الفوز بدعم واشنطن وفضح ما تصفها كييف بوعود موسكو الجوفاء لإنهاء الحرب.
قمة أمريكية-روسية مرتقبة
يبدو أن المأزق الدبلوماسي الحالي يمهد الطريق لقمة أمريكية-روسية مباشرة، خاصة بعد أن قوَّض ترامب المحادثات بتصريحه أمس الخميس بأن "لن يحدث شيء" حتى يلتقي شخصيًا ببوتين.
وأشارت "ذا جارديان" إلى أن الرئيس الأمريكي، الذي أصبح يشعر بقلق متزايد من بطء المفاوضات، وصرح اليوم الجمعة بأنه سيلتقي نظيره الروسي "بمجرد أن نتمكن من ترتيب ذلك"، ما أثار مخاوف في كييف من احتمال تهميش دورها بينما يقرر الآخرون مصيرها.
موقف روسي متشدد
تمسكت روسيا خلال المفاوضات بمطالبها الإقليمية القصوى، مصرة على أن تتنازل أوكرانيا عن مناطق لا تسيطر عليها موسكو حتى، وفقًا لمصدر في الوفد الأوكراني نقلت عنه وكالة "رويترز"، شرط عدم الكشف عن هويته.
وسارع حلفاء أوكرانيا الغربيون إلى استنكار الموقف الروسي. وفي هذا السياق، صرح رئيس الوزراء البريطاني كير ستارمر، الذي كان في ألبانيا لحضور قمة أوروبية، بأن المملكة المتحدة وفرنسا وألمانيا وبولندا اتفقت على أن الموقف الروسي في محادثات السلام "غير مقبول" وأنها ناقشت الأمر مع ترامب.
وجدد زيلينسكي، عبر منصة "إكس"، دعواته لفرض عقوبات على موسكو إذا فشلت في الموافقة على وقف إطلاق النار، قائلًا: "موقفنا إذا رفض الروس وقفًا كاملًا وغير مشروط لإطلاق النار وإنهاء عمليات القتل، يجب أن تتبع ذلك عقوبات صارمة.. يجب الحفاظ على الضغط على روسيا حتى تكون مستعدة لإنهاء الحرب."
أسبوع دبلوماسي مكثف
ولفتت "ذا جارديان" إلى أن الأسبوع الدبلوماسي بدأ بموقف قوي من أربعة زعماء أوروبيين (بريطانيا وفرنسا وألمانيا وبولندا) وقفوا في كييف إلى جانب زيلينسكي موجهين إنذارًا لبوتين، وهو الموافقة على وقف إطلاق النار فورًا أو مواجهة عقوبات صارمة بالتنسيق مع ترامب.
لكن مع نهاية الأسبوع، لم يتحقق وقف لإطلاق النار ولم تُفرض أي عقوبات جديدة، وأشارت الصحيفة إلى أن زيلينسكي وصف الموقف في مقابلة معها بأنه يشبه لعبة البوكر "مع عدة أشخاص في وقت واحد"،
وأضافت أن المشكلة الأساسية التي تواجه كييف وأوروبا هي أن "تحركات البوكر المعايرة بعناية لا تساوي شيئًا إذا اتضح أن ترامب لا يهتم حتى بمتابعة اللعبة، بل يلعب لعبته الخاصة، وفقًا لقواعده الخاصة."