الموقع الرسمي | القاهرة الاخبارية

اهتزاز الثوابت.. العلاقات الأمريكية الإسرائيلية تدخل "منطقة الخطر"

  • مشاركة :
post-title
العلاقات الأمريكية الإسرائيلية تدخل "منطقة الخطر"

القاهرة الإخبارية - عبدالله علي عسكر

لم تعد العلاقة الأمريكية الإسرائيلية تسير على الطريق ذاته التي اعتادتها لعقود، بل أخذت تتصدع تحت وقع المجاعة في غزة، والتقلبات السياسية الداخلية في إسرائيل، والانقسامات الحادة في المجتمع الأمريكي.

في قلب هذه التحولات، يبرز مشهد غير مألوف، "قادة أمريكيون موالون لإسرائيل يبدون قلقًا إنسانيًا متزايدًا، واستطلاعات للرأي تكشف تآكل غير مسبوق في التأييد الشعبي الأمريكي للدولة العبرية"، إنها لحظة فاصلة تُعيد صياغة أحد أكثر التحالفات السياسية ثباتًا في التاريخ الحديث.

قلق من معاناة غزة

في تصريحات لافتة من وزير الخارجية الأمريكي ماركو روبيو، أحد أبرز داعمي إسرائيل في إدارة ترامب، أعرب عن قلقه العميق إزاء تدهور الوضع الإنساني في غزة، وخلال زيارة له إلى تركيا، صرّح للصحفيين بأنه أجرى اتصالًا برئيس الوزراء الإسرائيلي بنيامين نتنياهو، أكد فيه أن "الولايات المتحدة ليست بمنأى عن المعاناة في قطاع غزة"، وأضاف أنه منفتح على مراجعة خطة توزيع المساعدات الأمريكية التي تواجه انتقادات من منظمات الإغاثة.

وأعرب الرئيس الأمريكي دونالد ترامب، عبر عدة تصريحات، عن قلقه إزاء الوضع الإنساني في غزة، وقبل أسبوعين قال إنّه "حثَّ نتنياهو على أن يكون جيدًا تجاه غزة بسبب المعاناة هناك، والسماح بدخول الغذاء والدواء".

صندوق إغاثة غزة

ورغم الانتقادات الدولية، تمضي الولايات المتحدة قدمًا في تنفيذ خطة إنسانية عبر "صندوق إغاثة غزة"، الذي أُعلن عنه الأسبوع الماضي من قبل المبعوث الأمريكي ستيف ويتكوف، ووفقًا للخطة، ستُنشأ مراكز توزيع مؤقتة للأغذية والدواء في مناطق آمنة جنوب القطاع، تُدار بواسطة شركات أمريكية، وتُؤمَّن من بعيد بواسطة الجيش الإسرائيلي.

وسيوفر كل مركز مساعدات لنحو 300 ألف شخص، وتُخطط المؤسسة للوصول إلى 1.2 مليون نسمة في المرحلة الأولى، ووفق مدير الصندوق جيك وود، فإنهم في "المراحل النهائية" لتجهيز 300 مليون حصة غذائية للتوزيع خلال أول 90 يومًا، دون تدخل مباشر من الحكومات.

لكن الأمم المتحدة ومجتمع الإغاثة الدولي انتقدوا الخطة بشدة، واعتبرها البعض "آلية بديلة" تهدد بإقصاء المنظمات الإنسانية المخضرمة، وقال توم فليتشر، رئيس إدارة المساعدات الإنسانية في الأمم المتحدة، إن الخطة "لا تلبي متطلبات القانون الإنساني"، مطالبًا بالسماح للمنظمات الأممية بالعمل دون عوائق.

يأتي هذا الحراك الإنساني الأمريكي بعد أسابيع من توقف إسرائيل عن السماح بدخول المساعدات إلى غزة، إثر فشل صفقة المحتجزين في مارس، ورغم ادعاءات إسرائيل أن ذلك لا يشكّل تهديدًا لحياة المدنيين، ذكرت صحيفة "نيويورك تايمز" أن ضباطًا في الجيش الإسرائيلي عبّروا عن قلقهم من مجاعة جماعية وشيكة، ووفق تقرير الصحيفة، فإن مناطق عديدة في غزة قد لا تتمكن قريبًا من تلبية حتى الاحتياجات الغذائية الأساسية.

تصدعات متزايدة في العلاقات

في مشهد غير مألوف، كشفت استطلاعات رأي أمريكية عن تراجع حاد في التأييد الشعبي لإسرائيل، ففي مارس 2025، أظهر استطلاع أجرته مؤسسة "جالوب" أن 46% فقط من الأمريكيين يدعمون إسرائيل، وهو أدنى مستوى منذ ربع قرن، بينما عبّر 33% عن تعاطفهم مع الفلسطينيين، وهي النسبة الأعلى في تاريخ هذا الاستطلاع.

هذا التحول في الرأي العام لا يقتصر على الديمقراطيين فحسب، بل يمتد إلى الجمهوريين، خصوصًا الشباب منهم، وكشف مركز "بيو" للأبحاث أن نسبة الجمهوريين الذين لديهم نظرة سلبية تجاه إسرائيل ارتفعت من 27% إلى 37% خلال ثلاث سنوات فقط (2022 – 2025)، بفضل تحولات في مواقف الناخبين تحت سن 49 عامًا.

منذ الاعتراف الأمريكي بإسرائيل كدولة في مايو 1948، شكّل التحالف بين البلدين أحد أعمدة السياسة الخارجية الأمريكية، لكن اليوم يواجه هذا التحالف اختبارًا غير مسبوق، فرغم استمرار الدعم الرسمي، يطرح كثيرون تساؤلات حول مدى قدرة واشنطن على الاستمرار في هذا النهج إذا ما واصل الرأي العام الأمريكي تغيّره.

ويحذر محللون من أن هذا التغير الشعبي قد يُفضي إلى تراجع فعلي في الدعم الملموس لإسرائيل، سواء على مستوى المساعدات العسكرية أو التأييد السياسي، ومن بين هؤلاء الجنرال الإسرائيلي السابق ورئيس جهاز الاستخبارات العسكرية، تامير هايمان، الذي أشار قبل أشهر من السابع من أكتوبر إلى وجود تصدعات متزايدة في العلاقات الأمريكية الإسرائيلية، مرتبطة خصوصًا بابتعاد اليهود الأمريكيين عن الصهيونية.

تأثير اليمين الإسرائيلي

لعب صعود اليمين القومي الديني في إسرائيل، وإصلاحات نتنياهو القضائية، دورًا مهمًا في اهتزاز صورة إسرائيل لدى الرأي العام الأمريكي، فمنذ عام 2023، خرجت مظاهرات حاشدة داخل إسرائيل نفسها ضد ما وصفه المحتجون بمحاولات "تهويد" النظام السياسي، وراقب العديد من الأمريكيين -مِمَن تربطهم علاقات وجدانية وتاريخية بإسرائيل- هذا التحول بقلق بالغ.

وفي مارس 2025، أصدر معهد دراسات الأمن القومي في تل أبيب، ورقةً بحثيةً وصف فيها الباحث ثيودور ساسون تراجع الدعم الأمريكي لإسرائيل بأنه دخل "منطقة الخطر"، محذرًا من أن هذه التغيرات ليست عابرة بل متجذرة.

ويرى الدبلوماسي الأمريكي السابق دينيس روس أن إسرائيل باتت ضحية للانقسام السياسي الأمريكي الحاد، ويقول: "ينظر معظم الديمقراطيين إلى ترامب نظرة سلبية للغاية، إذ تُظهر أحدث الاستطلاعات أن أكثر من 90% منهم ينظرون إليه نظرة سلبية".

ويرى "روس" أن تأييد ترامب اللامحدود لإسرائيل يُغذي نوعًا من "رد الفعل العكسي" بين فئات واسعة من المجتمع الأمريكي، ما يُحوِّل إسرائيل من قضية إجماع إلى نقطة انقسام سياسي.