قلبت زيارة الرئيس الأمريكي دونالد ترامب الأخيرة إلى الشرق الأوسط، طمأنينة إسرائيل، فلم تكن الحليف الأقرب تقليديًا لواشنطن جزءًا من الصورة، وبدا كأن ترامب أدار ظهره لتل أبيب، وسط احتضان دافئ من أنقرة إلى الرياض.
وحسب صحيفة "يديعوت أحرونوت" العبرية، همّشت هذه الرحلة تل أبيب وأسقطتها من لعبة التحالفات الكبرى في الشرق الأوسط الجديد.
إسرائيل في الظل
شهدت الأسابيع الأخيرة صعود نجمين سياسيين في السياسة الأمريكية في الشرق الأوسط، هما ولي العهد السعودي محمد بن سلمان، والرئيس التركي رجب طيب أردوغان، اللذان أصبحا الشريكين الأساسيين لترامب في رسم مستقبل المنطقة.
وحسب "يديعوت أحرونوت"، في ما يتعلق بالملف السوري، وتحديدًا التطبيع من الرئيس السوري أحمد الشرع، أو بالمواجهة مع المشروع النووي الإيراني، بقيت إسرائيل في موقع المتفرج، معزولة سياسيًا، وعالقة في أزمتها الداخلية الائتلافية، والحرب المستنزفة في غزة، التي أصبحت عبئًا داخليًا متزايدًا.
عندما انتُخب ترامب، بدا كأنه رئيس الأحلام بالنسبة لإسرائيل، إذ رفع العقوبات عن المستوطنين المتطرفين، وألغى ميزانيات وكالة الأونروا، وفرض عقوبات على المحكمة الجنائية الدولية، ودعا نتنياهو ليكون أول زعيم أجنبي يلتقيه، كما طرح أفكارًا متطرفة عن ترحيل سكان غزة.
كما لعب ترامب دورًا حاسمًا في تنفيذ المرحلة الأولى من صفقة المحتجزين التي شملت إطلاق سراح 38 محتجزًا من بينهم 25 إسرائيليًا، إلا أن هذا الخط الداعم لتل أبيب لم يستمر طويلًا.
صدمة في إسرائيل
فوجئت إسرائيل بالمحادثات السرية التي أجراها مبعوث ترامب لشؤون الأسرى آدم بويلر، مع حركة حماس، واعتبرته خرقًا لخطوط التواصل التقليدية، ففي البداية، أنكرت إسرائيل الأمر، لكن الصفقة التي أفضت لاحقًا إلى إطلاق سراح الجندي الأمريكي الإسرائيلي عيدان ألكسندر، أثبتت أن بويلر كان يتحرك بإذن من ترامب.
الإفراج عن ألكسندر بعد 584 يومًا من الأسر دون مقابل، أثار إحراجًا عامًا في إسرائيل، وحسب "يديعوت أحرونوت"، تساءل كثيرون هل قيمة المحتجزين تعتمد على جنسياتهم؟
في ظل تعثر صفقة المحتجزن الكبرى، استعدت إسرائيل لإطلاق عملية عسكرية جديدة تحت اسم "عربات جدعون"، مع انسحاب ترامب من المنطقة، إذ كانت الرسالة واضحة إما نجاح سريع في الصفقة وإما التصعيد العسكري.
قلق تل أبيب
دعوة نتنياهو المفاجئة لاجتماع في البيت الأبيض لم تكن مرتبطة برسوم جمركية كما أُعلن رسميًا، بل جاءت على خلفية نية ترامب إعلان مفاوضات مباشرة مع إيران حول اتفاق نووي جديد.
وكشف تصريح ترامب "نريد اتفاقًا، لكن على إيران وقف دعمها للإرهاب"، عن تغير في الخطاب الأمريكي، من التهديد إلى الدبلوماسية، ما أثار قلق تل أبيب التي شعرت أنها خارج المعادلة.
وفي تقرير لوكالة "رويترز"، تبيّن أن واشنطن مستعدة للتنازل عن شرط التطبيع مع إسرائيل مقابل منح السعودية برنامجًا نوويًا مدنيًا، ورغم عدم توقيع أي اتفاق خلال زيارة ترامب للرياض، إلا أن مجرد طرح الفكرة دون تنسيق مع إسرائيل أثار القلق.
المفاجأة الأكبر كانت عندما أعلن ترامب اتفاقًا مع الحوثيين لوقف الهجمات ضد السفن الأمريكية مقابل وقف القصف على اليمن، دون أي ذكر لإسرائيل أو مصالحها الأمنية، والتي أوصلت رسالة إلى تل أبيب "أنها أصبحت خارج الغرف عند اتخاذ القرارات الكبرى".
رسائل صادمة
زار ترامب ثلاث دول خليجية هي السعودية وقطر والإمارات، دون أن يضع قدمه في إسرائيل، أو حتى يذكرها علنًا خلال رحلته، وأيضًا الأحاديث عن "تريليونات الدولارات" التي ستتدفق إلى الاقتصاد الأمريكي من هذه الدول، لم تتضمن أي التزام أمني أو اقتصادي تجاه إسرائيل.
وحسب "يديعوت أحرونوت"، الحدث الصادم كان اللقاء مع الرئيس السوري أحمد الشرع، الذي لطالما وصفته إسرائيل بـ"إرهابي ببدلة"، والذي استُقبل بحرارة من ترامب بعد أن أعلن رفع العقوبات عنه.
ورغم المحاولات الإسرائيلية للتقليل من شأن الحدث، فإن استقبال الشرع كزعيم شرعي يشير إلى خريطة تحالفات جديدة، ترسمها أنقرة والرياض، بتنسيق مباشر مع ترامب، بعيدًا عن تل أبيب.
إسرائيل في خطر
مع الحديث عن إمكانية بيع طائرات "F-35" لكل من تركيا والسعودية، لم تعد إسرائيل واثقة من الحفاظ على تفوقها العسكري النوعي، الذي كان دائمًا شرطًا مقدسًا في علاقاتها مع الولايات المتحدة، وبحسب الصحيفة العبرية "فترامب -المنبهر بالمال الخليجي- يبدو أنه لم يعد يعبأ بهذه الخطوط الحمراء".
ربما لم يُلقِ ترامب بإسرائيل "تحت الحافلة"، كما تقول العبارة الشعبية، لكنه بالتأكيد لم يُبقها في المقعد الأمامي، فزياراته وكلماته وصفقاته وتحركاته، كلها تشير إلى واقع سياسي جديد يتشكل في الشرق الأوسط، لا تُعد فيه إسرائيل لاعبًا رئيسيًا فيه.