الموقع الرسمي | القاهرة الاخبارية

معتمدا على دبلوماسية اللحظة.. كيف خلط ترامب أوراق الحرب الأوكرانية؟

  • مشاركة :
post-title
دونالد ترامب

القاهرة الإخبارية - عبدالله علي عسكر

في نهاية أسبوعٍ سياسي عاصف، اجتمعت أوروبا والولايات المتحدة مؤقتًا على موقفٍ موحّد تجاه الحرب في أوكرانيا، غير أن هذا التماسك لم يدم طويلًا، وبينما كانت كييف تُحاصر تحت نيران الطائرات الروسية، ظهر الرئيس الأمريكي دونالد ترامب، من جديد على منصة "تروث سوشيال"، ليرسم مسارًا مغايرًا، مفككًا وحدة غربية لم تكتمل.

وحسب "سي إن إن"، فإنه بين انقسام المواقف وتشابك المصالح، تكشفت معالم سياسة أمريكية يُحركها المزاج لا المبدأ، والعلاقات لا القيم، في صراع عالمي على شفير هاوية.

وهم الوحدة عبر الأطلسي

بحسب "سي إن إن" الأمريكية، دامت لحظة التوافق عبر الأطلسي نحو ثلاثين ساعة فقط، تخللتها دعوات أوروبية متزامنة مع أوكرانيا لتطبيق مقترح أمريكي سابق بوقف إطلاق نار غير مشروط لمدة ثلاثين يومًا. هذا المقترح، الذي طرحته إدارة ترامب قبل شهرين، حظي بدعم قادة الاتحاد الأوروبي الذين زعموا أن ترامب عبّر عن تأييده له خلال مكالمة هاتفية معهم يوم السبت، بل وهدد بفرض عقوبات على روسيا إذا لم تستجب بحلول يوم الاثنين.

وانضم المبعوث الأمريكي الخاص إلى أوكرانيا، كيث كيلوج، بدوره إلى الغرب المطالب بوقف إطلاق النار، في مؤشر على تنسيق دبلوماسي بدا حينها واعدًا.

لكن هذه الوحدة تهاوت سريعًا بمجرد أن تحدث الرئيس الروسي، فلاديمير بوتين، رافضًا أي حديث عن هدنة، ومقدمًا بدلًا من ذلك اقتراحًا بعقد محادثات مباشرة بين روسيا وأوكرانيا في إسطنبول بعد أربعة أيام.

ترامب يغير اتجاه الرياح

ما إن أعلن الكرملين اقتراحه، حتى سارع ترامب إلى تغيير موقفه، مكتفيًا بالقول إن "بوتين لا يريد وقف إطلاق النار"، ودافع عن عقد اجتماع فوري بين الرئيس الأوكراني فولوديمير زيلينسكي وبوتين. هذا الموقف العلني جاء مناقضًا لتوجهات الحلفاء الأوروبيين، ودفع الرئيس الأوكراني إلى حافة قرار مصيري، وهو إما الموافقة على لقاء بوتين، أو المجازفة بفقدان الدعم السياسي الغربي.

تشير "سي إن إن" إلى أن صمت ترامب خلال تصريحات الحلفاء الأوروبيين الموحدة، وتحركه المفاجئ عقب بيان بوتين، يكشفان عن نمط سياسي متكرر، هو أنه لطالما اختار الرئيس الأمريكي مسارًا يحافظ على علاقته مع روسيا، ولو على حساب تحالفات واشنطن التقليدية.

في الليلة نفسها التي كانت تُطرح فيها دعوات وقف إطلاق النار، أطلقت روسيا 108 طائرات بدون طيار نفّذت ضربات متفرقة، منها ما أدى إلى احتجاز طفلة تبلغ من العمر 10 سنوات تحت الأنقاض في منطقة خيرسون. الحدث، بحسب الشبكة الأمريكية، مثّل رسالة روسية واضحة بأن الميدان لا ينتظر إملاءات دبلوماسية.

ويرى مراقبون أن قادة أوروبا لم يكونوا يتوقعون استجابة روسية فورية لطلب الهدنة، وأن أحد أهدافهم الخفية كان إحراج الكرملين وإظهار عدم رغبته في السلام أمام إدارة ترامب.

زيارة ثقيلة

تزامنت هذه التحولات مع زيارة طويلة ومعقدة لأكبر أربع قوى عسكرية أوروبية إلى كييف، وفي الوقت الذي سعت فيه هذه الدول لإعادة التأكيد على دعمها لأوكرانيا، كان ترامب يساهم، من حيث يدري أو لا يدري، في تعزيز صورة فلاديمير بوتين كزعيم واثق يتجاهل المطالب الغربية بلا تكلفة تُذكر.

الزعيم الروسي لم يكتفِ بتجاهل طلب وقف إطلاق النار، بل لم يُواجه حتى الآن عقوبات جديدة أو تعزيزًا واضحًا للمساعدات العسكرية الغربية لأوكرانيا، والأسوأ، وفق "سي إن إن"، أن اقتراحه بعقد محادثات في إسطنبول بات الآن جزءًا من موقف إدارة ترامب، ما يمنحه قوة تفاوضية إضافية.

ترامب وبوتين

تطرح "سي إن إن" تساؤلًا مهمًا: هل دار حوار مباشر بين ترامب وبوتين في الأيام التي سبقت هذا التحول؟ الإجابة غير معروفة، ولكن ما هو واضح أن الرئيس الأمريكي وجد نفسه أمام خيار بين مسارين هما: إما الاستمرار في تماهيه مع حلفائه الأوروبيين، أو الحفاظ على قناة محتملة مع موسكو، وكما في مرات سابقة، اختار المسار الثاني.

ولطالما تجنّب ترامب أي خطوات قد تُضعف علاقته ببوتين، حتى لو جاء ذلك على حساب وحدة الغرب أو مصداقية الولايات المتحدة، ويُظهر هذا الموقف مرة أخرى أن التهديد بفرض العقوبات في ظل تشبع روسيا بها أصلاً لم يعد أداة فعالة.

لقاء الفرصة الضائعة

إذا ما عُقد الاجتماع المنتظر في إسطنبول يوم الخميس، فإنه لن يكون بالضرورة بوابة للسلام، العلاقة بين زيلينسكي وبوتين مشحونة بالكراهية المتبادلة، الأول يراه غازيًا دمّر بلاده، والثاني يراه خائنًا يقوّض الإرث السوفيتي لمصلحة أوروبا، من غير المرجّح أن يخرج الرجلان بأي اتفاق، بل إن اللقاء قد يعمّق العداء ويُؤخر التسوية أكثر.

وقد يكون وزير الخارجية الأمريكي ماركو روبيو حاضرًا في تركيا، وربما حتى ترامب نفسه، لكن مجرد انخراط أمريكي مفرط قد يُعقّد الموقف أكثر، ويُربك توازنات إقليمية ودولية.

التحليل الذي تقدمه "سي إن إن" يخلص إلى أن بوتين لا يسعى للسلام، بل للوقت. في الميدان، تستمر القوات الروسية في تعزيز مواقعها، لا الانسحاب منها، خصوصًا قرب مدينة بوكروفسك شرقي أوكرانيا، حيث المعارك محتدمة.

ويبدو أن اللحظة العابرة من "الوحدة الغربية" لم تكن سوى استثناء قصير، سرعان ما أظهر حدود تأثير البيت الأبيض في حال لم تكن إدارته مستعدة لمواجهة حازمة مع الكرملين.

تبقى الأيام الثلاثة المقبلة حاسمة، لكنها على الأرجح لن تحمل اختراقًا حقيقيًا في مسار الحرب، الاجتماع المقترح في إسطنبول، إن عُقد، سيكون استعراضًا سياسيًا لا أكثر، وسيكون امتحانًا جديدًا لقدرة زعماء ما بعد الحرب الباردة على تجاوز جراح التاريخ وأوهام الزعامة الفردية. أما ترامب، فبات واضحًا أنه يراهن على دبلوماسية اللحظة لا استراتيجية الدولة.