تواجه أورسولا فون دير لاين، رئيسة المفوضية الأوروبية، هذا الأسبوع واحدة من أكبر التحديات في مسيرتها السياسية، حيث تصدر محكمة الاتحاد الأوروبي حكمًا محوريًا بشأن الرسائل النصية السرية التي تبادلتها مع الرئيس التنفيذي لشركة "فايزر"، ألبرت بورلا، في إطار صفقة لقاحات تجاوزت المليارات.
وتُعرف القضية إعلاميًا بـ"فضيحة فايزرجيت"، ومن المتوقع أن يكون لحُكم المحكمة العامة، وهي أدنى درجات القضاء الأوروبي، تداعيات واسعة على قواعد الشفافية داخل مؤسسات الاتحاد، خصوصًا فيما يتعلق بالتواصل غير الرسمي بين كبار المسؤولين الأوروبيين وشركات القطاع الخاص، بحسب النسخة الأوروبية من موقع "بوليتيكو" الأمريكي.
رسائل غامضة
تعود جذور القضية إلى عام 2021، عندما كشف "بورلا" في مقابلة مع صحيفة "نيويورك تايمز" أنه تبادل رسائل نصية مع فون دير لاين ساعدت في بناء "ثقة عميقة" بين الطرفين وسهّلت التوصل إلى صفقة ضخمة لشراء لقاحات "فايزر-بيونتيك"، بلغت قيمتها مليارات، وتضمنت التزام الاتحاد بشراء ما يصل إلى 1.8 مليار جرعة، وهو أكبر عقد من نوعه أبرمته بروكسل.
لكن المفوضية رفضت لاحقًا الإفصاح عن مضمون تلك الرسائل، ما دفع "نيويورك تايمز" إلى رفع دعوى قضائية عام 2022، تطالب بالكشف عن محتواها.
هل هي "وثائق رسمية"؟
الجدل القانوني يتمحور حول ما إذا كانت الرسائل النصية تُعد وثائق رسمية تخضع لقواعد الشفافية والنشر. في حين يرى نشطاء ومراقبون أن أي وسيلة تواصل تتعلق باتخاذ قرارات سياسية يجب أن تكون خاضعة للمساءلة، بينما تدافع المفوضية بأن هذه الرسائل لا ترقى إلى مستوى الوثائق الرسمية.
وخلال جلسة استماع عُقدت في نوفمبر الماضي، أقر محامو المفوضية للمرة الأولى بوجود الرسائل، ما أثار سخرية الحاضرين، حيث أبدى القضاة تذمرهم من فشل المفوضية في شرح كيفية تصنيفها للوثائق المهمة، ومن عدم تقديمها إجابات واضحة بشأن ما إذا تم تفتيش هاتف فون دير لاين أو سؤالها شخصيًا عن الرسائل.
أزمة ثقة
مكتب المدعي الأوروبي وصف القضية بأنها "جرس إنذار" لمؤسسات الاتحاد، مشيرًا إلى أن الشفافية تراجعت خلال فترة رئاسة فون دير لاين. وقالت إميلي أوريلي، التي شغلت المنصب من 2013 إلى 2025، إن فون دير لاين خلقت ثقافة قائمة على "إخفاء المعلومات لأسباب سياسية"، وانتقدت غيابها عن جلسات المحكمة.
من جهته، اعتبر مكتب المدعي الأوروبي العام أن الأمر يستحق التحقيق، وأكد أنه يحقق حاليًا في كيفية إدارة المفوضية لملف شراء اللقاحات، بما في ذلك مقابلات أجراها أخيرًا مع عدد من مسؤولي المفوضية.
الضغوط تتزايد
الحكم المنتظر، الأربعاء المقبل، قد يشكّل نقطة تحول ليس فقط على صعيد الشفافية، بل على مستقبل فون دير لاين السياسي. فمع بداية ولايتها الثانية في ديسمبر الماضي، تواجه انتقادات بشأن تركيزها للسلطة وتراجعها عن تعهدات بيئية، ويأتي هذا الحكم في وقت حساس مع تصاعد الخطابات القومية التي تهدد وحدة الاتحاد.
النائبة الأوروبية عن حزب الخضر، تيلي ميتز، تساءلت عن الجهات التي تقف وراء "مقاومة" فون دير لاين للكشف عن التفاصيل، وقالت: "إذا أردت أن تكسب ثقة الناس، فعليك أن تضع الشفافية أولًا".