في السادس من ديسمبر عام 2022 وجهت جامعة الدول العربية والأمم المتحدة خلال عقد مؤتمر مشترك لدعم الصومال برئاسة أحمد أبو الغيط، الأمين العام لجامعة الدول العربية، ومشاركة آدم عبد المولى نائب ممثل المنظمة الدولية للصومال ومنسق الشؤون الإنسانية للصومال، نداءً لتقديم إغاثة عاجلة إلى الصومال، الذي يعاني من أزمتي جفاف ومجاعة نادرتين وصفتا بالكارثة المزدوجة. الأمر الذي يضع وفق تقديرات متنوعة 10 ملايين صومالي في دائرة انعدام الأمن الغذائي، بما يتطلب دعمًا عالميًا وعربيًا، لوقف التدهور الإنساني في الصومال الذي يشكل موقعه الجغرافي رافدًا رئيسيًا لحماية وتعزيز الأمن القومي العربي.
تحديات متنوعة:
لا تقتصر معاناة الصومال على انعدام الأمن الغذائي فقط، وإنما تمتد لوجود تحديات أخرى متنوعة وممتدة خلال عام 2023، يمكن تناول أبرزها في العناصر التالية:
(*) ضعف الدولة الصومالية: تعاني الدولة الصومالية من تراجع كبير انعكس على قيامها بوظائفها الأساسية لا سيما الوظيفة الأمنية المنوط بها حفظ الأمن والنظام العام بما ينعكس على الاستقرار بشكل عام، ويعود ذلك إلى طبيعة المكون العشائري الذي يهيمن على المجتمع الصومالي فى ظل الهشاشة الأمنية والسياسية لمؤسسات الدولة التي تشكل المعضلة الرئيسية، التي تواجه الرئيس الجديد حسن شيخ محمود منذ انتخابه في مايو 2022 ، فضلًا عن التحديات التي ترتبط بعلاقة عدد من الأقاليم بالحكومة الفيدرالية وتنازع الاختصاصات وخضوع بعضها للتجاذبات الإقليمية على حساب الحكومة المركزية.
(*) تصاعد نشاط حركة الشباب الصومالية: تزايدت فى الآونة الأخيرة نشاط حركة الشباب الصومالية وتنفيذها للعديد من العمليات الإرهابية سواء في الداخل الصومالي، ومنها تنفيذ عمليات داخل العاصمة مقديشو، كما امتدت عمليات الحركة خارج حدود الصومال واستهدفت العمق الإثيوبي. الأمر الذي اعتبره البعض اتجاهًا لتمدد أنشطة الحركة في منطقة القرن الإفريقي.
(*) التدهور البيئي: يشكل التدهور البيئي أحد أبرز التحديات التي تواجه الصومال فى ظل تأثير التغيرات المناخية على موجات الهجرة الداخلية، ومنها الجفاف الذي شهدت الصومال أكبر موجة له في الآونة الأخيرة، وسيستمر خلال الفترة المقبلة وفق تقديرات الخبراء. وهو ما كان له تداعياته على عمليات النزوح واللجوء إلى المناطق الحضرية. ومع إقرار مؤتمر المناخ بشرم الشيخ فى نوفمبر 2022 بإنشاء صندوق لتعويضات الأضرار والخسائر، فإن الصومال تعد من الدول الأكثر تأثرًا بالتغيرات المناخية الحادة التي يحق لها المطالبة بتعويضات مناسبة عن تلك الأضرار.
(*) تنامي النفوذ الإقليمي لدول الجوار العربي: تشهد الصومال تنامى للنفوذ الإقليمي من الدول الإقليمية غير العربية وفى مقدمتها كل من تركيا وإيران، حيث عمدت تركيا إلى إقامة قاعدة عسكرية بالقرب من العاصمة الصومالية مقديشو فى عام 2016، لتقديم التدريب العسكري، حيث تأوي القاعدة ما يقرب من 1500 جندي، ويمكن لها أن تستقبل قطعًا بحرية، وطائرات عسكرية إلى جانب قوات كوماندوز. كما تسعى إيران للتغلغل في الشرق الإفريقي، وذلك بهدف تعزيز وجودها فى المناطق الاستراتيجية مثل منطقة القرن الإفريقي لتعزيز المنافع الاقتصادية، وضمان تقديمها للدعم لوكلائها من الحوثيين فى اليمن.
(*) التنافس الدولي على منطقة القرن الإفريقي: تستمد منطقة القرن الإفريقي أهميتها الاستراتيجية من موقعها الجغرافي فى شرق إفريقيا في المنطقة الواقعة على رأس باب المندب من الساحل الإفريقي، التي يحدها من الجنوب المحيط الهندي ومن الشمال البحر الأحمر. وتضم إلى جانب الصومال كل من كينيا وجيبوتي وإريتريا وإثيوبيا. ونظرًا لتلك الأهمية، فإن تلك المنطقة تشهد تنافسًا دوليًا بين القوى الكبرى، وفى مقدمتها الولايات المتحدة الأمريكية التي أنشأت أفريكوم عام 2007 كمقر للقيادة الأمريكية الإفريقية لمواجهة الإرهاب. كما أنشأت الصين أول قاعدة عسكرية لها خارج أراضيها في جيبوتي المجاورة للصومال عام 2017، فضلًا عن مشاركة قواتها ضمن القوات الدولية في عمليات مكافحة القرصنة في المياه المحيطة بالصومال، لا سيما أنها تحصل على 25 في المئة من وارداتها النفطية من إفريقيا.
فرص متعددة:
في ظل التحديات السابقة، فإن ثمة فرص متنوعة لتعدد أشكال الدعم العربي الذي يمكن تقديمه خلال عام 2023، وهو ما يمكن الإشارة لأبرزها في التالي:
(#) الدعم الإنساني: تتنوع صور الدعم الإنساني التي يمكن تقديمها من خلال مؤسسات الإغاثة العربية أو من خلال مؤسسات المجتمع المدني والجمعيات الأهلية في كل دولة من خلال توفير أشكال متنوعة للدعم الإنساني المتمثل في إعانات غذائية وكساء، ومستلزمات طبية، وتسيير قوافل طبية من الأطباء ومساعديهم، كما يمكن دعوة الدول القادرة للتدخل بإرسال طائرات الإغاثة لمساعدة المتضررين، فضلًا عن التبرعات التي يمكن توجيهها لمؤسسات الإغاثة العاملة فى الصومال لا سيما فى مجالات الأمن الغذائي.
(#) الدعم الاقتصادي: يشكل الدعم الاقتصادي أحد أبرز صور المساعدات العربية للصومال الذي يجب أن يكون فى شكل استثمارات دائمة تسهم فى مساندة الدولة الصومالية التي تعاني كغيرها من تداعيات الأزمة الروسية الأوكرانية. وفى ظل امتلاك الصومال لأكبر شواطئ إفريقية من الممكن أن توجه تلك الاستثمارات فى مجال مشروعات الثروة السمكية، كما يمكن أن توجه الاستثمارات العربية فى مجال الثروة الحيوانية التي تسهم تجارتها بنحو 80% من عائدات العملة الصعبة للصومال، والتي تتجه نحو دول منطقة الخليج العربي، ونظرًا لضعف إدماج المنتجين فى الاقتصاد، فقد أطلقت الحكومة الصومالية وبالتعاون مع البنك الدولي فى أغسطس 2022 مشروع الحد من المخاطر والشمول وتعزيز القيمة للاقتصادات الرعوية في القرن الإفريقي. يهدف المشروع إلى تعزيز قدرة الرعاة على الحصول على الخدمات المالية للتخفيف من مخاطر الجفاف، كذلك إدراجهم في سلاسل القيمة وتسهيل تجارة الماشية في منطقة القرن الإفريقي. ويغطي هذا البرنامج جيبوتي وإثيوبيا وكينيا والصومال. يذكر أن الصومال استضافت نهاية نوفمبر 2022 مؤتمرًا دوليًا هو الأول من نوعه لعرض الفرص الاستثمارية، ووفقًا لما ذكره رئيس الوزراء حمزة عبدي بري فى افتتاح المؤتمر فإن الصومال تمتلك العديد من المجالات الاستثمارية من بينها الاقتصاد الأخضر، والطاقة والزراعة والعقارات والبنية التحتية، المصرفية وتكنولوجيا المعلومات والاتصالات، ومشيرًا إلى التزام حكومته بإصلاح القوانين الاقتصادية والأمنية، التي ستسهل ممارسة الأعمال التجارية في الصومال، وتهيئة بيئة استثمارية لجذب رؤوس الأموال.
(#) مساندة جهود مواجهة الإرهاب: تشكل التهديدات الإرهابية المتنامية أحد المخاطر التي تواجه إعادة بناء الدولة الصومالية فى ظل اتجاه التنظيمات الإرهابية إلى إفريقيا كملاذات بديلة بعد هزيمة تلك التنظيمات فى معاقلها الرئيسية فى العراق وسوريا. وهو ما يتطلب مساندة جهود مواجهة تلك التنظيمات وفى مقدمتها حركة الشباب الصومالية، وذلك من خلال دعم استراتيجية الرئيس حسن شيخ محمود لمواجهة التنظيمات الإرهابية، والتي جاءت ملامحها الرئيسية فى حوار له مع وسائل إعلام غربية على هامش مشاركته فى أعمال الدورة السابعة والسبعين للجمعية العامة للأمم المتحدة فى سبتمبر 2022، لتقوم على بُعدين أساسيين الأول تجفيف مصادر تمويل الإرهاب من خلال إنشاء وكالات حكومية تراقب التدفق المالي، وإعداد قوانين وتشريعات تسهم فى ضبط عملية تهريب الأموال. والثاني التواصل مع زعماء العشائر الصومالية والسكان المحليين لمساندة الجيش لمواجهة التنظيمات الإرهابية ومنها حركة الشباب الصومالية. كما قامت الحكومة في إطار مواجهتها للتنظيمات الإرهابية باتخاذ إجراءات استباقية منها إغلاق ما يقرب من 600 صفحة إلكترونية للميليشيات التابعة لحركة الشباب على وسائل التواصل الاجتماعي، وإطلاق قناة تلفزيونية أطلق عليها "دلجر" وتعني "حامي الوطن" تهدف وفقًا للرئيس الصومالي خلال افتتاحها فى نوفمبر 2022 إلى تقديم رؤية دينية معتدلة تحارب سوء تفسير التيارات الإرهابية للدين.
(#) دعم بناء قدرات مؤسسات الدولة: وفقًا لتقديرات البنك الدولي فى نوفمبر 2022 فإن نحو 71 فى المئة من الصوماليين البالغ عددهم 14 مليونًا يعيشون تحت خط الفقر فى ظل التردي الأمني، وهو الأمر الذى يتطلب تعزيز الدعم العربي لبناء قدرات مؤسسات الدولة الصومالية سواء فى المجال الأمني والعسكري من خلال إلحاق عدد من الطلاب بالأكاديميات العربية العسكرية، وتدريب المؤهلين فى تلك المجالات لإكسابهم مزيد من الخبرات، كما تشكل الوظيفة الاقتصادية للدولة فى الصومال المجال الأهم الذى يحتاج لدعم حتى تتمكن من تحقيق معدلات تنموية تسهم فى الحد من معدلات الفقر المتزايدة. ويمكن تحقيق ذلك من خلال وضع برامج تدريبية للكوادر الحكومية الصومالية من خلال مساندة المنظمة العربية للتنمية الإدارية التابعة لجامعة الدول العربية لتقوم بتلك المهمة من خلال توفير الدعم المالي لها، كما يمكن أن تقدم منظمة العمل العربية التابعة للجامعة العربية أيضًا خبراتها فى هذا المجال.
مجمل القول إن الدعم العربي للصومال أضحى ضرورة ملحة في العام الجديد لا سيما في ظل الأزمات الإنسانية المتفاقمة التي تهدد الملايين من السكان بانعدام الأمن الغذائي، وهو ما يتطلب تعزيز دور المجموعة العربية في الأمم المتحدة لتوجيه نداء للمجتمع الدولي بضرورة التدخل الإنساني لمواجهة تلك التحديات وبحث كيفية تطوير آليات توزيع وتقديم المساعدات وضمان إيجاد الموارد اللازمة لدعم الزراعة والثروة الحيوانية والموارد المائية بالصومال.