المنسق العام: نعيد إحياء تراث مصر الملهم.. وأرشيف فريد لأول مرة
بمجرد أن تطأ قدماك المكان، تجد نفسك قد انسلخت من الحاضر، لتنتقل عبر بوابة فنية إلى زمن مضى، فيه يلتقي عبق الماضي بسحر الحاضر، حيث الفن الأصيل يحيا من جديد في قلب القاهرة.
في وسط العاصمة المصرية بالقاهرة، أُقيم حدث فريد في نسخته الأولى تحت عنوان "صندوق الموسيقى"، يتحول المكان إلى حالة وجدانية تجمع بين الموسيقى والسينما والتصوير الفوتوغرافي، لتُعيد للمصريين والعرب ذاكرة مصر الفنية وتُحيي تراثهم الذي طالما شكّل وجدانهم.
حنين بصري وصوتي
منذ اللحظة الأولى داخل المعرض، تسكنك حالة من الحنين العميق، حين تقع عيناك على صور نادرة لنجوم الزمن الجميل، تظهر للمرة الأولى أمام الجمهور، صور نادرة زينت المكان، نرى عبد الحليم حافظ، وأحمد رمزي، وسامية جمال، وفريد الأطرش، وتحية كاريوكا وغيرهم من رموز الفن الذين تربى عليهم وجدان الوطن العربي، يعودون من صفحات التاريخ ليحتلوا مساحة بصرية نابضة بالحياة داخل هذا المعرض الاستثنائي.
وبينما تتجول في أركان المكان، يتغير المشهد تدريجيًا لتجد نفسك تستمع إلى أغنيات فترة التسعينيات، التي شكَّلت جزءًا لا يُنسى من ذاكرة الأجيال، وتُعرض إلى جوارها أفيشات وملصقات نادرة لألبومات لفنانين تركوا بصمة كبيرة في الغناء العربي الحديث، ما يضيف بعدًا زمنيًا جديدًا للمعرض، يربط الماضي بالحاضر.
تفاصيل الحدث
في تصريح خاص لموقع "القاهرة الإخبارية"، كشفت نيرفانا بيربس، المنسق العام للحدث، أن فكرة "صندوق الموسيقى" نشأت من شعور عميق بأننا -في ظل تسارع العصر وانتشار الإنترنت والأعمال الأجنبية- بدأنا ننسى التراث المصري الثري الموجود في السينما والموسيقى والفوتوغرافيا، وقالت: "هدفنا هو إعادة إحياء تراثنا الملهم والكبير وتذكير الناس به، من خلال تقديم كل حقبة زمنية بأسلوب فني يعيد الروح للذاكرة الثقافية".
أرمني يوثق المشهد
وأشارت بيربس إلى أن هناك تعاونًا وثيقًا مع الجامعة الأمريكية في القاهرة، أتاح الوصول إلى مكتبة الكتب النادرة وأرشيف السينما المصرية، بالإضافة إلى أرشيف مجلة "الكواكب"، أحد أبرز الإصدارات الفنية في القرن العشرين، كما ضم المعرض صورًا للمصور الأرمني الشهير فان ليو، الذي يُعد من أهم المصورين الذين وثّقوا المشهد الفني المصري بعدسته، إذ التقط صورًا لأيقونات مثل شريهان ودليلة وفريد الأطرش وسامية جمال، وغيرهم الكثير، وتُعرض هذه الصور لأول مرة أمام الجمهور في مصر.
غير ربحي من أجل الناس
وأكدت نيرفانا أن المعرض لا يهدف إلى الربح مطلقًا، بل هو موجه للناس الذين يحبون الفن والتراث ويتوقون إلى إحيائه، وأضافت: "أقمنا النسخة الأولى من صندوق الموسيقى بدافع الشغف، وهناك خطة للتوسع وتقديم المعرض في أماكن أكثر، داخل مصر وخارجها، ليصل إلى أكبر عدد ممكن من الجمهور".
عودة إلى التسعينيات
وفي لمسة تُعزز الحنين للفترة الذهبية من الغناء في التسعينيات، كشفت نيرفانا عن تعاون خاص مع المنتج محمد جابر، الذي كان له دور كبير في إنتاج معظم الألبومات الشهيرة التي لا تزال تحتل مكانة في ذاكرة الجمهور، وأضافت: "اتفقنا معه على المشاركة في هذا الحدث الملهم والعظيم، من أجل إعادة تذكير الناس بالأغنيات التي شكّلت جزءًا كبيرًا من حياتهم، في حالة فنية توثق تلك المرحلة وتحترمها".
ذاكرة فنية تُلهم العالم
"صندوق الموسيقى" ليس مجرد معرض مؤقت، بل هو دعوة مفتوحة للتأمل في عظمة الفن المصري الذي شكّل وجدان العالم العربي، واعتراف بريادة مصر التي لطالما كانت منارة الفن والثقافة في المنطقة، وبهذا الحدث، تُعيد مصر التأكيد على دورها الثقافي، لا كحافظة للتراث فقط، بل كمُنتجة له، ومُلهمة للأجيال، وباعثة لروحه في كل مرة يُعاد فيها استحضار هذا الجمال الراقي.