يتجنب العديد من شركات الطيران الكبرى التحليق فوق باكستان، مع تدهور العلاقات مع جارتها الهند في أعقاب "مذبحة سياحية" حديثة، وهي أحدث نقطة اشتعال جيوسياسية تعطل السفر العالمي، وفق ما أفادت شبكة "سي إن إن" الإخبارية الأمريكية.
وقالت شركة الخطوط الجوية الفرنسية في بيان للشبكة، إنها علّقت الطيران فوق الدولة الواقعة في جنوب آسيا حتى إشعار آخر بسبب "التطور الأخير في التوترات بين الهند وباكستان".
وأضافت الشركة الفرنسية أنها تعمل على "تكييف جدول رحلاتها وخطط رحلاتها من وإلى وجهات معينة"، مضيفة أن بعض الطرق ستتطلب أوقات رحلات أطول.
وأكدت شركة الطيران الألمانية "لوفتهانزا" لـ"رويترز" أنها "تتجنب المجال الجوي الباكستاني حتى إشعار آخر".
وتأتي اضطرابات السفر بعد أسبوعين من قيام مسلحين بمذبحة راح ضحيتها 26 مدنيًا، معظمهم من السياح، في بلدة باهالجام الجبلية في الشطر الهندي من كشمير، وهو الهجوم الذي أثار غضبًا واسع النطاق.
وسارعت الهند إلى إلقاء اللوم على باكستان، التي نفت تورطها، وتصاعدت التوترات منذ ذلك الحين مع سلسلة من التحركات التصعيدية المتبادلة بين الجارتين.
وقد أغلق كل جانب بالفعل مجاله الجوي أمام طائرات الطرف الآخر منذ الهجوم، لكن التوترات المتزايدة تؤثر الآن على شركات الطيران الدولية الأخرى، ومن المرجح أن تكلفها كثيرًا لأنها تحرق وقودًا إضافيًا وتسلك طرقًا أطول.
وقد تؤدي الاضطرابات إلى تفاقم النفقات بالنسبة لشركات الطيران، التي اضطرت بالفعل إلى توخي الحذر، بشأن نقاط التوتر الرئيسية الأخرى في السنوات الأخيرة، بما في ذلك الشرق الأوسط والمناطق القريبة من خطوط المواجهة بين أوكرانيا وروسيا.
وأظهرت بيانات تتبع الرحلات الجوية أن بعض رحلات الخطوط الجوية البريطانية والخطوط الجوية السويسرية الدولية والإماراتية، سافرت فوق بحر العرب، ثم اتجهت شمالًا نحو دلهي؛ لتجنب المجال الجوي الباكستاني، بحسب ما ذكرت "رويترز".
النزاع حول كشمير
كشمير، أحد أخطر بؤر التوتر في العالم، يخضع جزئيًا لسيطرة الهند وباكستان، لكن كلًا منهما يطالب بالسيادة الكاملة عليه. منذ استقلالهما عن بريطانيا قبل نحو 80 عامًا، خاضت الدولتان النوويتان المتنافستان ثلاث حروب على هذه المنطقة الجبلية التي تقسمها الآن حدود بحكم الأمر الواقع تُعرف باسم "خط السيطرة".
استعراض القوة العسكرية
وفي أعقاب المذبحة السياحية، بدأت الهند وباكستان في استعراض قوتهما العسكرية، مما وضع البلدين على حافة الهاوية.
أجرت باكستان، أمس الاثنين، تجربة صاروخية ثانية خلال ثلاثة أيام، حسبما ذكرت وكالة "رويترز". وصرّح الجيش الباكستاني أن الصاروخ الذي تم اختباره هو صاروخ أرض-أرض من سلسلة "فتح"، بمدى 120 كيلومترًا (75 ميلًا)، وفقًا لـ"رويترز". وجاء ذلك بعد يومين من الإطلاق الناجح لصاروخ باليستي أرض-أرض.
وأمرت الهند أيضًا جميع ولاياتها وأقاليمها الاتحادية بإجراء تدريبات أمنية وهمية، الأربعاء الماضي، وهو أمر نادر من وزارة الداخلية لم يشهده البلد منذ عقود، ويغطي 244 منطقة مصنفة على أنها "مناطق الدفاع المدني".
ويأتي ذلك بعد أيام من إعلان البحرية الهندية أنها نفذت ضربات صاروخية تجريبية "لإعادة التحقق من جاهزية المنصات والأنظمة والطاقم لضربة هجومية دقيقة بعيدة المدى".
تصاعدت التوترات على الرغم من حث الولايات المتحدة والصين على ضبط النفس، كما حث الأمين العام للأمم المتحدة، أنطونيو جوتيريش، أمس الاثنين، كلًا من الهند وباكستان على "تجنب المواجهة العسكرية التي قد تخرج عن نطاق السيطرة بسهولة". وأضاف: "لا شك أن الحل العسكري ليس حلًا".
وعقد مجلس الأمن الدولي اجتماعًا مغلقًا أمس الاثنين، وفقًا لبيان صادر عن وزارة الخارجية الباكستانية.
اتفاقية المياه
أصبحت المياه بؤرة توتر رئيسية في التوترات المستمرة بين الهند وباكستان، وعلّقت الهند مشاركتها في معاهدة مياه نهر السند بعد أيام من الهجوم المسلح، مهددة بذلك اتفاقية قائمة منذ عام 1960.
تنظم المعاهدة تقاسم مياه نهر السند الضخم، وهو مورد حيوي يؤمّن سبل عيش مئات الملايين في باكستان وشمال الهند. ينبع نهر السند من التبت، ويتدفق عبر الصين وكشمير الخاضع للسيطرة الهندية قبل أن يصل إلى باكستان.
وكانت وسائل إعلام هندية ذكرت في وقت سابق، نقلًا عن مصادر حكومية، أن نيودلهي خفّضت المياه المتدفقة عبر سد باجليهار في الجزء الخاضع لإدارة الهند من كشمير؛ مما أدى إلى توقف تدفق المياه إلى باكستان عبر نهر تشيناب.
وردًا على تلك التقارير، قال مصدر حكومي باكستاني لـ"سي إن إن"، اليوم الثلاثاء، إن السُلطات "على علم بأن الهند بدأت العمل في مشاريع الطاقة الكهرومائية" منذ تعليق المعاهدة.
وذكرت المصادر أن "باكستان احتجّت أيضًا في هذا الصدد، لكن الهند بدأت العمل دون أي رد".
التأثير الاقتصادي
وقد تهدد المواجهة العسكرية الاقتصاد الباكستاني، الذي عانى بالفعل من تحديات كبيرة في السنوات الأخيرة. وذكر تقرير صادر عن وكالة "موديز" للتصنيف الائتماني، نقلًا عن "رويترز"، أن "التصعيد المستمر للتوترات مع الهند من المرجح أن يُلقي بثقله على نمو باكستان، ويعيق جهود الحكومة المستمرة لضبط أوضاعها المالية، مما يعيق تقدم باكستان في تحقيق الاستقرار الاقتصادي الكلي".
حصلت باكستان مؤخرًا على حزمة إنقاذ بقيمة 7 مليارات دولار من صندوق النقد الدولي بعد سنوات من المفاوضات، مما أعطى البلاد بعض الراحة التي كانت في أمسّ الحاجة إليها بعد سنوات من الاضطرابات الاقتصادية نتيجة لعدم الاستقرار السياسي والكوارث المناخية.
وقال تقرير "موديز"، بحسب "رويترز"، إن "الزيادة المستمرة في التوترات قد تؤثر أيضًا على قدرة باكستان على الوصول إلى التمويل الخارجي، وتضغط على احتياطياتها من النقد الأجنبي".
من ناحية أخرى، من غير المتوقع أن تشهد الهند اضطرابات كبيرة في اقتصادها؛ نظرًا لأنها تتمتع "بعلاقات اقتصادية ضئيلة" مع باكستان، وفقًا لما أضافته "موديز".
توقف التبادل الثقافي
ومع تصاعد التوترات العسكرية، توقفت أيضًا التبادلات الثقافية بين نيودلهي وإسلام آباد، حجبت الهند حسابات المشاهير الباكستانيين على مواقع التواصل الاجتماعي، ومن غير المتوقع الآن عرض فيلم هندي طال انتظاره، من بطولة ممثل باكستاني، في البلاد.
وأعلن فؤاد خان، الممثل والمغني والمنتج ذو الشعبية الكبيرة في الهند، عودته إلى بوليوود في أبريل، مما أثار حماسة الجمهور، إلا أن فيلمه القادم "أبير جولال" لن يُعرض في دور السينما في 9 مايو، كما كان مقررًا سابقًا، وفقًا لتقارير إعلامية محلية.
لاقت عودة خان المرتقبة إلى بوليوود ترحيبًا حارًا من النقاد والمعجبين الهنود على حد سواء. وكان الممثل، الذي ظهر في أفلام هندية سابقًا، قد اختفى من الشاشات الهندية عام 2016 بعد مقتل عشرات الجنود الهنود في هجوم مسلح في الجزء الخاضع لإدارة الهند من كشمير، أعقبته اشتباكات دامية على طول الحدود المتنازع عليها، وألقت الهند باللوم على باكستان في هذا الهجوم، وهو ما نفته إسلام آباد، ومع تصاعد التوترات بين الجارتين النوويتين، فرضت جمعية منتجي الأفلام الهندية حظرًا فعليًا على المواهب الباكستانية.