أصدر وزير الدفاع الأمريكي بيت هيجسيث، توجيهات بإجراء تخفيضات حادة في الرتب العليا للجيش الأمريكي، تستهدف نحو 100 جنرال وأميرال، ضمن ما وصفه بجهود "كبح البيروقراطية المتضخمة" في البنتاجون، في حين تأتي هذه الخطوة عقب موجة من الإقالات طالت كبار القادة العسكريين، فور عودة الرئيس دونالد ترامب إلى البيت الأبيض، حسبما أفادت صحيفة واشنطن بوست.
تفاصيل خطة التخفيضات وأهدافها
كشفت مذكرة من صفحة واحدة وقعها وزير الدفاع أن الخطة تدعو إلى خفض "لا يقل" عن 20% من عدد الجنرالات والأميرالات من فئة الأربع نجوم (أعلى رتبة في الجيش الأمريكي)، إضافة إلى تخفيض مماثل في عدد الجنرالات في الحرس الوطني. كما ستشمل الخطة تخفيضًا إضافيًا بنسبة 10% على الأقل من العدد الإجمالي للجنرالات والأميرالات في جميع فروع القوات المسلحة.
وأوضح هيجسيث في فيديو نشره على وسائل التواصل الاجتماعي أن هذه الإجراءات تهدف إلى "الحفاظ على مكانة الولايات المتحدة كأكثر القوات القتالية فتكًا في العالم" من خلال تعزيز "كفاءة أكبر والابتكار والاستعداد لأي تحدٍ مستقبلي".
وأطلق هيجسيث على هذه السياسة العنوان غير الرسمي "جنرالات أقل، جنود أكثر"، مؤكدًا أنها ستُمكّن من نقل الموارد من "عناصر المقرات المتضخمة إلى المقاتلين في الميدان".
ولم توضح المذكرة ما إذا كان هيجسيث ينوي تنفيذ هذه التخفيضات بشكل تدريجي أم دفعة واحدة، ولم تحدد المناصب المستهدفة.
وتشير "واشنطن بوست" إلى أن المسؤولين في مكتب وزير الدفاع لم يردوا على استفسارات حول آلية تنفيذ هذه التخفيضات، تماشيًا مع سياسة البنتاجون الأخيرة للحد من التواصل مع وسائل الإعلام.
تضخم أعداد القيادات العسكرية
وفقًا لدراسة أصدرتها خدمة أبحاث الكونجرس غير الحزبية العام الماضي، يوجد حاليًا أكثر من 800 جنرال وأميرال في الجيش الأمريكي، وقد شهد عدد الجنرالات والأميرالات من فئة الأربع نجوم تضخمًا ملحوظًا على مدى العقود الماضية.
وفي إطار شرحه للمشكلة، قدم هيجسيث مقارنة تاريخية لافتة، حيث أشار إلى أنه خلال الحرب العالمية الثانية، كان الجيش الأمريكي يضم 12 مليون جندي ولم يكن لديه سوى 17 جنرالًا من فئة الأربع والخمس نجوم.
أما اليوم، فيشرف البنتاجون على قوة تضم نحو 2.1 مليون فرد بوجود 44 جنرالًا وأميرالًا من فئة الأربع نجوم، علماً بأنه لم يعد هناك ضباط من فئة الخمس نجوم منذ عدة عقود.
ووصف هيجسيث هذه الجهود بأنها "أشمل مراجعة لهيكل القيادة العسكرية منذ إقرار قانون جولدووتر-نيكولز لعام 1986"، وهو تشريع بارز عزز أدوار رئيس هيئة الأركان المشتركة ووزير الدفاع والجنرالات والأميرالات ذوي الرتب العليا الذين يشرفون على القيادات المقاتلة.
مراحل تنفيذ الخطة والمقرات المستهدفة
حسب ما أوردته شبكة "سي إن إن"، التي كانت أول من كشف عن الخطة، سيتم تنفيذها على مرحلتين، تركز الأولى على خفض عدد الجنرالات والأميرالات من فئة الأربع نجوم في الخدمة الفعلية وعدد الجنرالات في الحرس الوطني، بينما تستهدف الثانية تخفيضات إضافية في العدد الإجمالي للجنرالات والأميرالات في جميع فروع القوات المسلحة.
وأكد هيجسيث أن "المزيد من الجنرالات والأميرالات لا يعني المزيد من النجاح"، مشددًا على أن هذا الجهد ليس "تمرينًا للقطع والحرق يهدف إلى معاقبة الضباط رفيعي المستوى"، بل هو مسعى لإعادة التركيز وتحقيق الكفاءة.
قد تطال التخفيضات قوة الفضاء التي أنشأتها إدارة ترامب الأولى، والتي تضم ثلاثة ضباط من فئة الأربع نجوم، رغم انتقادات المعارضين وقتها بأنها غير ضرورية وستزيد من تضخم الجهاز العسكري.
انتقادات للقيادة العسكرية وحملة تطهير مثيرة للجدل
عُرف هيجسيث بانتقاداته المتكررة لكبار القادة العسكريين، حيث صرح في مقابلة بودكاست العام الماضي بأن ثلث كبار ضباط الجيش "متواطئون بنشاط" في تسييس المؤسسة العسكرية، وفق ما نقلت عنه "واشنطن بوست".
ومنذ توليه وزارة الدفاع، قاد هيجسيث حملة تطهير استهدفت قادة عسكريين كبار، مما أثار قلق العديد من خبراء الأمن القومي، بمن فيهم وزراء دفاع سابقون.
ومن أبرز من طالتهم الإقالات رئيس هيئة الأركان المشتركة، الجنرال تشارلز كيو. براون جونيور، وكبير ضباط البحرية، الأميرال ليزا فرانشيتي، والجنرال تيموثي هوج، الذي كان يشرف على القيادة السيبرانية الأمريكية ووكالة الأمن القومي.
ووجهت لهؤلاء القادة انتقادات من مؤيدي ترامب بسبب تركيزهم على مبادرات التنوع أو عدم إظهارهم الولاء الكافي للرئيس.
رؤية متغيرة للمؤسسة العسكرية الأمريكية
تشير "واشنطن بوست" إلى أن هذه التخفيضات المرتقبة تعكس رؤية إدارة ترامب الجديدة للمؤسسة العسكرية الأمريكية، إذ تتجه نحو نموذج يدعي مزيدًا من الكفاءة والفعالية، بعيدًا عن التضخم الإداري الذي شهدته على مدى العقود الماضية.
وتأتي الخطة في وقت يُتوقع فيه الإعلان عن ترشيحات للترقية لعدة وظائف عسكرية عليا في الأسابيع المقبلة، بما في ذلك القادة ذوو الرتب الأربع نجوم في القيادة المركزية الأمريكية، والقيادة الأوروبية الأمريكية، وقيادة أفريقيا الأمريكية، والقيادة الاستراتيجية الأمريكية. في حين كشفت الصحيفة في وقت سابق أن إدارة ترامب تفضل نائب الأميرال براد كوبر للترقية والترشيح للإشراف على القيادة المركزية.