يؤدي فريدريش ميرز، اليوم الثلاثاء، اليمين الدستورية ليصبح المستشار العاشر لألمانيا، في وقت تواجه فيه البلاد أصعب التحديات منذ إعادة توحيد شطريها قبل 35 عامًا.
ووفقًا لما تشير إليه تقارير إعلامية، يتولى ميرز منصبه وسط اقتصاد راكد، وعلاقات متوترة مع الولايات المتحدة، وصعود غير مسبوق لليمين المتطرف؛ مما يضعه أمام مسؤولية تاريخية ثقيلة.
مستشار بلا خبرة حكومية وشعبية متراجعة
يأتي تنصيب ميرز، البالغ من العمر 69 عامًا، كمستشار لألمانيا في ظروف استثنائية، إذ أشارت صحيفة نيويورك تايمز إلى أنه لا يملك أي خبرة تنفيذية في الحكومة، وهو ما يمثل تحديًا إضافيًا له.
وكشفت مجلة بوليتيكو أن شعبية ميرز شهدت تراجعًا حادًا خلال الفترة الفاصلة بين فوزه في انتخابات فبراير وتوليه منصب المستشار اليوم، مما يجعله يبدأ فترته برصيد شعبي ضعيف.
ويحكم ميرز من خلال ائتلاف حكومي يملك واحدة من أضعف الأغلبيات البرلمانية منذ الحرب العالمية الثانية، حيث لا يسيطر سوى على 52% فقط من مقاعد البرلمان، وفقًا لـبوليتيكو، ما يضع المستشار الجديد في موقف سياسي هش، فهو يترأس ائتلافًا من أحزاب تقليدية متراجعة في مواجهة قوى يمينية متطرفة صاعدة.
صعود اليمين المتطرف وتصنيفه كتهديد للديمقراطية
كشفت نيويورك تايمز أن المشهد السياسي الألماني يشهد صعودًا غير مسبوق لحزب "البديل من أجل ألمانيا" (AfD) المناهض للهجرة، والذي حقق في انتخابات فبراير الماضي أفضل نتيجة لليمين المتطرف في تاريخ ألمانيا ما بعد الحرب.
وقد صنفت المخابرات الداخلية الألمانية مؤخرًا هذا الحزب كمنظمة متطرفة "مثبتة"، في خطوة أثارت جدلًا واسعًا حول إمكانية حظر الحزب بموجب القانون الألماني، الذي يهدف لمنع تكرار التجربة النازية.
وعلى الرغم من تبنيه خطابًا متشددًا ضد الهجرة خلال حملته الانتخابية، أوضحت نيويورك تايمز أن ميرز رفض تشكيل ائتلاف مع حزب "البديل"، معتبرًا إياه متطرفًا للغاية، وبدلًا من ذلك، اختار التحالف مع الحزب الاشتراكي الديمقراطي اليساري الوسط، الذي سجل أسوأ نتيجة انتخابية له منذ القرن التاسع عشر.
مواجهة مع ترامب وتحديات العلاقات الأمريكية-الألمانية
وفقًا لـبوليتيكو، تشهد العلاقات الألمانية-الأمريكية توترًا غير مسبوق، إذ يبدو أن إدارة الرئيس دونالد ترامب تسعى لتقويض ميرز من خلال دعم خصومه السياسيين، خاصة حزب "البديل" المتطرف.
فبعد تصنيف هذا الحزب كمنظمة متطرفة، سارع كبار المسؤولين الأمريكيين للدفاع عنه.
ونقل الموقع عن وزير الخارجية الأمريكي، ماركو روبيو، وصفه لهذا التصنيف بأنه "طغيان متنكر"، مضيفًا: "ما هو متطرف حقًا ليس حزب البديل الشعبي، بل سياسات الهجرة ذات الحدود المفتوحة المميتة التي يعارضها حزب البديل"، كما ردد نائب الرئيس الأمريكي، جي دي فانس، نفس الموقف، متهمًا "المؤسسة الألمانية" بإعادة بناء جدار برلين بشكل فعّال.
وأشارت نيويورك تايمز إلى أن ميرز انتقد بشكل متزايد سياسات ترامب، محذرًا الألمان من ضرورة تحمّل مسؤولية أمنهم بأنفسهم. وتساءل أمام المشرعين في مارس: "هل تعتقدون حقًا أن حكومة أمريكية ستوافق على استمرار حلف الناتو كما كان من قبل؟"
طموحات أوروبية وإصلاحات اقتصادية جريئة
كشفت نيويورك تايمز عن عزم ميرز لعب دور قيادي أكبر في أوروبا، حيث يخطط للسفر إلى وارسو وباريس غدًا في محاولة لإحياء "مثلث فايمار" لبولندا وألمانيا وفرنسا، وهو تحالف غير رسمي يعتبره أساسًا لدفع سياسة دفاعية أوروبية أكثر حزمًا.
ونقلت الصحيفة عن ميرز قوله في برلين: "الكثير من الأوروبيين ينتظرون منّا أن نقدم مرة أخرى مساهمة قوية في نجاح المشروع الأوروبي"، مضيفًا: "نعيش في أوقات تغيير عميق، واضطراب عميق... ولهذا نعلم أنه واجبنا التاريخي أن نقود هذا الائتلاف إلى النجاح".
وفي خطوة مفاجئة تعكس تحول سياسته عن وعوده الانتخابية، أوضحت نيويورك تايمز أن ميرز كسر وعدًا انتخابيًا رئيسيًا بشأن الانضباط المالي، حيث توصل إلى اتفاق مع منافسيه من يسار الوسط لتخفيف حدود الاقتراض الحكومي في ألمانيا، من أجل الإنفاق "مهما كلف الأمر" على الدفاع الوطني، في إشارة إلى إدراكه للتحديات الأمنية المتزايدة.
مهمة ثقيلة في مرحلة حرجة
في ظل هذه التحديات المتعددة، يبدأ ميرز اليوم مهمته الصعبة كمستشار لألمانيا، في وقت تتطلع فيه أوروبا إلى قيادة ألمانية قوية تسهم في استقرار القارة وتعزيز أمنها.