لأنه دائمًا يعشق أن تكون الأضواء مسلطة عليه وحده، كانت المئة يوم الأولى لدونالد ترامب هي حديث العالم، خاصة بعد العديد من القرارات الحادة والتصريحات الأكثر حدة، لكن الرجل الذي يبدو أنه فهم دوره بامتياز، أو دوره كما رسمه له "ترامب" كان هو جي دي فانس، نائب الرئيس الأمريكي.
ففي مشهد سياسي لا يخلو من الغرابة، يواصل نائب الرئيس الأمريكي جي دي فانس إظهار ولاء غير مشروط للرئيس دونالد ترامب، في موقف يبدو للبعض أشبه بالدفاع الأعمى، حيث يحوّل كل قرار مثير للجدل يصدر عن ترامب إلى "فرصة" للتمجيد أو التبرير.
البابا.. مجرد مزحة
آخر ما أثار الجدل كان منشورًا على منصة "تروث سوشال" نشر فيه ترامب صورة لنفسه بالذكاء الاصطناعي وهو يرتدي زي البابا، في وقت حساس تمر فيه الكنيسة الكاثوليكية بفترة حداد بعد وفاة البابا فرانسيس. الصورة قوبلت بموجة غضب داخل الأوساط الكاثوليكية، واعتبرتها الجهات الرسمية في الكنيسة "سخرية من لحظة مقدسة".
لكن فانس - الكاثوليكي المتدين- لم يجد أي مشكلة في الأمر، بل دافع عن ترامب قائلًا إن الصورة لا تتعدى كونها "مزحة"، قبل أن يهاجم بشكل غير مباشر من وصفهم بأنهم "يخوضون حروبًا غبية تقتل الآلاف" بدلًا من التركيز على النكات.
الوحيد بين 8 مليارات إنسان
هذه الحادثة ليست معزولة عن نمط ثابت يظهر فيه فانس كدرع بشرية سياسية، يبرر ويؤيد كل تحرك أو تصريح للرئيس. ففيما يتعلق بالسياسة الخارجية، صرح أخيرًا بأن "لا أحد من بين 8 مليارات شخص في العالم كان بإمكانه إنجاز صفقة سلام بين روسيا وأوكرانيا سوى دونالد ترامب"، في إشارة إلى محادثات غير رسمية يُقال إن ترامب حاول تحريكها.
ترقية وليست إقالة
وعندما أُقيل مستشار الأمن القومي الأمريكي مايك والتز فجأة، وجرى ترشيحه كسفير لدى الأمم المتحدة، لم يتوان فانس عن وصف هذه الخطوة بأنها "ترقية"، رغم أن معظم المراقبين اعتبروها إزاحة محسوبة. قال فانس: "منصب السفير في الأمم المتحدة مهم ويتطلب موافقة مجلس الشيوخ، لذا يمكن اعتباره ترقية".
اجتماع زيلينسكي التاريخي
شهد المكتب البيضاوي توترًا حادًا خلال الاجتماع الذي جمع الرئيس الأمريكي دونالد ترامب والرئيس الأوكراني فولوديمير زيلينسكي، ويُقال إن سبب اندلاع التشاحن المفاجئ بين الطرفين كان مداخلة مباشرة من نائب الرئيس جي دي فانس الذي فاجأ الجميع حين قاطع زيلينسكي بلهجة حادة، متهمًا الحكومة الأوكرانية بإضاعة فرص السلام و"استنزاف دافعي الضرائب الأمريكيين"، وأنه - يقصد زيلينسكي - لم يشكر الرئيس أو الشعب الأمريكي ولا مرة على موقفهم المساند لبلاده في الحرب الروسية الأوكرانية.
اعتُبر تعليق فانس مُحرجًا للرئيس الأوكراني، الذي ردّ بغضب واتهم الإدارة الأمريكية باستخدام أوكرانيا كورقة سياسية. ترامب انضم سريعًا إلى جانب نائبه، ما أدى إلى تصاعد حاد في الأصوات وتحول الاجتماع إلى مشادة محتدمة. وأفادت مصادر من داخل البيت الأبيض بأن تدخل فانس لم يكن مفاجئًا، بل يعكس توجّهًا متشدّدًا في الإدارة الجديدة تجاه الدعم الخارجي، لا سيما لأوكرانيا؛ لتظهر الحادثة كيف يلعب فانس دورًا محوريًا ليس فقط في الدفاع عن ترامب، بل في توجيه المواقف المتشددة التي تعقّد العلاقات الدبلوماسية.
استفزاز جرينلاند
وفي خضم تصريحات ترامب حول رغبته في ضم إقليم جرينلاند، زاره فانس وصرّح من قلب الإقليم الدنماركي، بأن الدنمارك "لم تقم بعمل جيد" تجاه سكان جرينلاند، ولم تُنفق ما يكفي على الأمن.
بلا فرامل
في الأيام المئة الأولى من الولاية الثانية للرئيس ترامب، كان فانس الواجهة الإعلامية الأبرز للدفاع عن كل ما يصدر عن البيت الأبيض. وصف وتيرة العمل بأنها "دواسة وقود بلا فرامل"، وامتدح سرعة إصدار القرارات، متفاخرًا بخلق 500,000 وظيفة جديدة واستقطاب استثمارات تتجاوز 5 تريليونات دولار. وبغض النظر عن دقة الأرقام أو السياسات، بدا فانس حريصًا على إظهار ترامب كمنقذ اقتصادي.
وفي قضايا الهجرة، دعم فانس بقوة إنهاء حق المواطنة التلقائي للأطفال المولودين لأبوين غير شرعيين، واعتبره انسجامًا مع "القيم الأمريكية الأصيلة". كما أيّد الإجراءات التي تسمح لوكالة ICE باعتقال مهاجرين في المدارس والكنائس، رغم الانتقادات الحقوقية الواسعة.
حتى مواقفه الشخصية تغيّرت لصالح ترامب، حيث أقرّ في تصريحات سابقة بأنه كان من منتقدي الرئيس في البداية، لكنه غيّر رأيه لاحقًا قائلاً: "كان رئيسًا عظيمًا". وأكد أنه يعمل بكل طاقته من أجل ضمان إعادة انتخابه.
أما فيما يخص الحريات الدينية، فقد ربط فانس بين سياسات ترامب ومبدأ "الدفاع عن القيم الدينية"، وهاجم إدارة بايدن السابقة متهمًا إياها بتضييق الخناق على حرية التعبير الديني. خلال حفل إفطار الصلاة الكاثوليكي، أشار إلى أن ترامب "أعاد الكرامة للإيمان المسيحي" بحسب وصفه.
ولا يخفي فانس قناعته بأن الإعلام هو العدو، إذ هاجم وسائل الإعلام متهماً إياها بتحريف سياسات الإدارة وتضليل الرأي العام، داعيًا إلى مزيد من "الشفافية والمساءلة"، رغم أن مواقفه تبدو في كثير من الأحيان هي الأقل شفافية.
فانس، الذي يبغ 40 عامًا فقط، وهو الوجه الجديد في المسرح السياسي الأمريكي، بات الصوت الأعلى في الدفاع عن ترامب. جعل منه هذا في أعين الكثيرين مجرد بوق سياسي يبرر كل قرار دون تمييز. وبينما يراه مؤيدو ترامب رجل دولة مخلصًا، يرى فيه منتقدوه سياسيًا يُعلي الولاء على مصلحة الوطن.