بينما يُعيد التغير التكنولوجي المتسارع تشكيل الصراعات حول العالم، حيث تُحرز الصين تقدمًا تاريخيًا في تطوير جيشها، وتضاعف روسيا من قوتها العسكرية، تنامت على مدار العقد الماضي دعوات لإصلاح وزارة الدفاع الأمريكية.
ويبدو أن الجميع، بدءًا من الكونجرس الذي شكّل لجنة خاصة للنظر في الحاجة الملحة للتغيير، ومسؤولي البنتاجون الذين صاغوا عددًا لا يحصى من التقارير الداخلية التي تبحث في كيفية تحسين جوانب عديدة من قدرة الوزارة على العمل، وصولًا إلى قادة صناعة الدفاع، يتفقون على ضرورة اتباع نهج مختلف.
وحسب تحليل لمجلة "فورين أفيرز"، تُذكّر البيئة الأمنية المضطربة بشكل متزايد الولايات المتحدة بأن اتباع نهج الاكتفاء الذاتي في الاستثمار في الجيش الأمريكي هو نهج قصير النظر.
والآن، جاءت أحدث جهة في الإدارة الأمريكية لتدعو إلى إعادة هيكلة البنتاجون، وهي وزارة كفاءة الحكومة (DOGE) التابعة لإدارة ترامب، التي تُحوّل اهتمامها نحو وزارة الدفاع كهدفها التالي للإصلاح.
وفي فبراير الماضي، صرّح وزير الدفاع الأمريكي بيت هيجسيث قائلًا: "نرحّب بانضمام وزارة كفاءة الحكومة إلى البنتاجون". وأضاف أن هذه الوزارة ستُحقق "كفاءة عملية حقيقية للحكومة".
حسب التحليل، فإن البنتاجون ليس شركة، ولا يُمكن معاملته بالنهج نفسه الذي يتبعه دونالد ترامب وإدارته من أباطرة المال والأعمال.
مجلس إدارة منقسم
رغم عدم كفاءته وجموده، يُمثل الجيش الأمريكي تحديًا مختلفًا جذريًا للإصلاحيين المُحتملين، فهو لا يقتصر على مهمته -حماية الأمن القومي الأمريكي- التي لا تُشاركه فيها أي شركة خاصة، بل يمتلك أيضًا قوة عاملة لا تُضاهى في القطاع الخاص.
أيضًا، حوكمة البنتاجون مختلفة، فهو يفتقر إلى السيطرة على ميزانيته وهيكله التنظيمي وبعض أهم قراراته الاستراتيجية.
لذا، تلفت "فورين أفيرز" إلى أن هذه الاختلافات تعني أن محاولات جعل البنتاجون يُدار كشركة ستأتي بنتائج عكسية "إذا استمر هيجسيث ووزارة الدفاع الأمريكية على النهج نفسه الذي بدآ به، فسيفشلان في تحقيق أهدافهما، وسيُلحقان الضرر بالجيش الأمريكي في هذه العملية".
يقول التحليل: "لمعرفة سبب عدم إمكانية إدارة وزارة الدفاع كشركة، ما عليك سوى النظر إلى هيكلها. مثل جميع الإدارات والوكالات في السلطة التنفيذية للحكومة الأمريكية، لديها مجلس إدارة كبير وغير عملي ومنقسم في كثير من الأحيان، هو الكونجرس. حيث يتمتع جميع أعضاء مجلسي النواب والشيوخ -البالغ عددهم 535 عضوًا- بدرجات متفاوتة، بسلطة تشكيل اتجاه الجيش الأمريكي".
وعلى الرغم من أن رئيس الولايات المتحدة هو القائد الأعلى للقوات المسلحة، فإن أهم قرار يواجهه الجيش الأمريكي -إعلان الحرب- يكمن في النهاية في أيدي الكونجرس. ولا يوجد مكان في القطاع الخاص يفتقر فيه العمل التجاري إلى السيطرة على أهم قراراته.
ميزانية خارج السيطرة
ينطبق الأمر نفسه على ميزانية البنتاجون. فهي ليست أكبر من ميزانية أي مؤسسة في الولايات المتحدة فحسب، بل إن سيطرة المؤسسة عليها محدودة. ففي كل عام، تُجري وزارة الدفاع عمليةً مُحكمةً وطويلةً -وغالبًا ما تكون مُرهقة- لتحديد كيفية إنفاق أموالها، بما يتماشى في أفضل الأحوال مع استراتيجية الدفاع الوطني للإدارة الموجودة.
أمّا السيطرة النهائية على قرارات التمويل فتقع في أيدي الكونجرس، الذي تُحلل لجانه وأعضاؤه مقترحات الوزارة وتُعيد ترتيبها وفقًا لمجموعة واسعة من الاعتبارات. أحيانًا يُشدد الكونجرس على نهج مختلف لتلبية أولويات الأمن القومي؛ وأحيانًا أخرى تكون خياراته مدفوعةً أكثر بمخاوف الناخبين. ولا يُمكن لأي مؤسسة خاصة أن تزدهر بهذه القدرة المحدودة على تحديد ما تُريد شراءه ومتى وكيف.
والأسوأ من ذلك، أنه خلال معظم العقد والنصف الماضيين، لم يُقرّ الكونجرس هذه الأموال على الفور. وكانت النتيجة سلسلة من القرارات المتواصلة ومشاريع قوانين التمويل المؤقتة التي تُجدّد ميزانية العام السابق إلى حد كبير، لكنها تمنع الجيش عمومًا من إجراء مشتريات جديدة أو تحويل الاستثمارات بما يتماشى مع الاستراتيجيات الجديدة. وقد ازداد هذا التحدي حدةً في الأسابيع الأخيرة، إذ سيُجبر عجز الكونجرس عن الاتفاق على حجم ميزانية الدفاع.
ولأول مرة، على البنتاجون قضاء سنة مالية كاملة دون اعتماد كامل من الكونجرس، وهذا يعني أن ميزانية الجيش الحالية تُطابق تقريبًا ميزانية العام الماضي - فقد زادها الكونجرس بأقل من 1% في محاولة واهية للتخفيف من وطأة مشكلة الإنفاق التاريخية.
ويلفت التحليل إلى أنه "من الصعب تخيّل شركة من القطاع الخاص تُعلن عن عدم توافق جوهري بين استراتيجيتها وميزانيتها، ثم، بعد أشهر من المداولات في مجلس إدارتها، تفشل في نهاية المطاف في تغيير ميزانيتها بشكل هادف".
القوة العاملة
تُشدد "فورين أفيرز" على أنه "قبل كل شيء، تختلف وزارة الدفاع عن الشركات في المنتج الذي تقدمه، وهو أمن الشعب الأمريكي".
ويلفت التحليل إلى أن "الحاجة إلى التركيز الكامل على الأمن القومي تمنح الجيش علاقة خاصة بالمخاطر، لا تضاهى بعلاقة الأعمال التجارية"، مضيفًا أنه "إذا فشلت شركة، كما يحدث في الغالبية العظمى من الشركات الناشئة، يخسر المستثمرون أموالهم ويفقد الناس وظائفهم، لكن إذا فشل الجيش الأمريكي، يموت الناس".
قوة العمل في وزارة الدفاع الأمريكية تميزها عن عالم الأعمال. فموظفوها العسكريون والمدنيون، البالغ عددهم 3.5 مليون موظف، خدم ما يقرب من نصفهم كقوى عاملة مدنية في الخدمة العسكرية قبل مواصلة العمل كموظفين حكوميين.
هؤلاء خضع الكثيرون منهم لعمليات تدقيق مكثفة استمرت لسنوات لضمان ثقتهم بمعلومات سرية قيّمة لحماية أمن الولايات المتحدة. ويؤدي حوالي واحد من كل ثمانية من هؤلاء المدنيين مهام عسكرية متخصصة. بالطبع، لا يُتوقع من أي قوة عاملة في القطاع الخاص في أي مكان في البلاد أن تُقدم هذه التضحيات.
نتيجةً لذلك، فإن التوظيف في البنتاجون بطيءٌ بشكلٍ ملحوظ. ونظرًا لبطء وتيرة هذه العملية، وفي ضوء القدرات المتخصصة المطلوبة من الموظفين، وخاصةً الحاجة إلى تصاريح أمنية رفيعة المستوى، يجب اتخاذ قرارات فصل الموظفين بعناية.
ومع ذلك، حتى الآن، لم تكن وزارة كفاءة الحكومة حذرةً على الإطلاق، إذ ركّزت على فصل الموظفين تحت الاختبار لمجرد أن فصل الموظفين بناءً على مكانتهم أسهل من تقييم عملهم واستبعاد ذوي الأداء الضعيف.