الموقع الرسمي | القاهرة الاخبارية

ترامب في عباءة بابا الفاتيكان.. صورة الذكاء الاصطناعي تثير زوبعة دينية

  • مشاركة :
post-title
الصورة المزيفة بالذكاء الاصطناعي التي نشرها ترامب مرتديا زي بابا الفاتيكان

القاهرة الإخبارية - عبدالله علي عسكر

في عالم تضيع فيه الحدود بين الجد والهزل، وبين القداسة والسخرية، فاجأ الرئيس الأمريكي دونالد ترامب المتابعين بنشر صورة له مرتديًا زيّ البابا الكاثوليكي، عبر تقنيات الذكاء الاصطناعي، بعد أيام فقط من وفاة البابا فرنسيس.

خطوة وصفتها وسائل إعلام غربية، مثل صحيفة "ذا جارديان" البريطانية و"التايم" الأمريكية، بأنها استفزازية بل وصادمة، خاصة في ظل حالة الحداد العالمي التي يعيشها الملايين من أتباع الكنيسة الكاثوليكية.

"البابا ترامب"

لم تكن هذه الصورة مجرّد نكتة عابرة في فضاء رقمي مشبع بالمبالغة، بل تحوّلت إلى زوبعة سياسية وثقافية ودينية، فتحت أبوابًا من الجدل الأخلاقي والدستوري حول حدود حرية التعبير، واستخدام الذكاء الاصطناعي في إنتاج رموز دينية، والسلوك المتكرر لدونالد ترامب في استخدام الدين كأداة رمزية لتعزيز حضوره الشعبوي، حتى لو كلّف ذلك إهانة مشاعر ملايين المؤمنين.

أمس الجمعة (الثاني من مايو) نشر ترامب صورة له مُعدّلة بتقنيات الذكاء الاصطناعي، بدا فيها جالسًا على عرش البابا، مرتديًا الرداء الأبيض التقليدي ومزيّنًا بصليب ذهبي على صدره، بينما رفع يده اليمنى بطريقة تشبه البركة الكنسية، وجاءت هذه الصورة بعد 11 يومًا فقط من وفاة البابا فرانسيس، وهو ما جعل التوقيت مستفزًا للبعض، وأثار عاصفة من الانتقادات عبر مواقع التواصل الاجتماعي.

ورغم أن ترامب لم يُرفق الصورة بأي تعليق، فإن صداها كان كافيًا لهزّ مشاعر المسيحيين الكاثوليك في العالم، والذين يبلغ عددهم نحو 75 مليونًا في الولايات المتحدة وحدها،

وبحسب تقرير "ذا جارديان"، فقال أحد المعلقين للصحيفة البريطانية: "يرى العديد من الكاثوليك، ومن بينهم أنا، أن هذا الأمر يمثل عدم احترام للزعيم السابق والمستقبلي لكنيستنا".

في ذات السياق، وصفت تعليقات كثيرة الصورة بأنها "تدنيس للمقدسات"، واعتبرها البعض "سخرية جارحة من الرمزية الدينية"، وفي تعبير أكثر قسوة، وصف مستخدمون ترامب بأنه "مريض نفسي" و"مثير للاشمئزاز".

ما قبل شرارة الصورة

ترامب، الذي لا ينتمي إلى الكنيسة الكاثوليكية، مازح الصحفيين قبل أيام من نشر الصورة قائلًا: "أرغب في أن أصبح البابا، سيكون هذا خياري الأول".

هذه المزحة التي أطلقت شرارة الصورة، تبعتها سلسلة من التفاعلات من شخصيات سياسية بارزة، أبرزها السيناتور الجمهوري وكتب عضو في مجلس الشيوخ الأمريكي ليندسي جراهام على منصة "إكس": "لقد سررت لسماع أن الرئيس ترامب منفتح على فكرة أن يكون البابا القادم.. أنتظر بفارغ الصبر دخانًا أبيض… ترامب MMXXVIII!".

ونقلت صحيفة "التايم" عن ترامب أيضًا اقتراحه لاسم الكاردينال تيموثي دولان، رئيس أساقفة نيويورك، كخليفة محتمل للبابا الراحل، واصفًا إياه بأنه "جيد للغاية"، ما يعزز فرضية أن الصورة لم تكن مجرد مزحة، بل جزء من سردية أوسع يستخدمها ترامب لتعزيز علاقته بالجماعات الدينية المحافظة.

العلاقات مع الفاتيكان

رغم حضوره جنازة البابا فرانسيس في 26 أبريل المنقضي، فإن علاقة ترامب بالكنيسة الكاثوليكية لم تكن يومًا سهلة، فقد انتقد البابا الراحل علنًا سياسات ترامب المتعلقة بالهجرة والترحيل القسري، وقال إن هذه السياسات "تضر بكرامة العديد من الرجال والنساء، وأسر بأكملها".

ومن المعروف أن دولة الفاتيكان يتخذ مواقف محافظة لكن عقلانية حيال السياسة، ولا يرحّب بتسييس الرموز الدينية، ولم يصدر رد رسمي من الفاتيكان على صورة "البابا ترامب"، ربما في محاولة لتجنّب تأجيج الجدل، خاصة في ظل قرب انعقاد المجمع البابوي لاختيار البابا الجديد.

الذكاء الاصطناعي

صورة "البابا ترامب" ليست المرة الأولى التي استخدم فيها ترامب أدوات الذكاء الاصطناعي لإثارة الجدل أو استعراض قوته الرمزية، ففي فبراير الماضي، نشر ترامب فيديو يُظهر قطاع غزة كمنتجع فاخر يحمل اسمه، في محاكاة مستقبلية غير واقعية.

وقد وُصف الفيديو من قبل ممثل عن حكومة حماس في غزة بأنه "مشين"، ما يكشف مجددًا كيف يوظّف ترامب الخيال الاصطناعي كأداة للسخرية، أو ربما لخلق واقع بديل يدعم سرديته السياسية.

تقول "التايم" الأمريكية إن هذه الحوادث تفتح بابًا للتساؤل حول أخلاقيات استخدام تقنيات الذكاء الاصطناعي من قبل الشخصيات العامة، خاصة في ظل محدودية التشريعات التي تُنظّم هذه الاستخدامات، وتُضيف الصحيفة أن المجتمع الدولي، والولايات المتحدة تحديدًا، تواجه معضلة متزايدة بشأن الموازنة بين حرية التعبير وبين حماية الرموز الدينية والثقافية من الاستغلال أو التشويه.

استثمار الدين للهيمنة

بالنظر إلى تكرار استخدام ترامب للرموز الدينية في خطاباته وصوره، يمكن القول إننا أمام نمط شعبوي واضح، يحاول استثمار الدين كأداة رمزية للهيمنة على الوعي الجماهيري، خاصة في أوساط التيار الإنجيلي المحافظ، والذي يُعتبر خزانًا انتخابيًا رئيسيًا لترامب.

وقد أفادت مراكز بحثية أمريكية أن نحو 65% من سكان الولايات المتحدة يعتنقون المسيحية، غالبيتهم من البروتستانت الإنجيليين، ممن يُبدي كثير منهم تعاطفًا مع إسرائيل ومع السياسات المتشددة التي تبنّاها ترامب خلال ولايته.