الموقع الرسمي | القاهرة الاخبارية

هدنة الأيام الثلاثة.. روسيا تلوح بالسلام بشروط قاسية

  • مشاركة :
post-title
الرئيس الروسي فلاديمير بوتين

القاهرة الإخبارية - عبدالله علي عسكر

بين طبول الحرب ودعوات المجتمع الدولي للسلام لإطفاء شرارة الحرب الروسية الأوكرانية المشتعلة منذ أكثر من 3 سنوات، أطلقت موسكو مبادرة وقف إطلاق نار مشروطة، تمزج بين غصن الزيتون وحد السيف، لتتكشف ملامح معركة دبلوماسية قد تكون أعقد من النزاع المسلح ذاته.

هدنة مشروطة

بالتزامن مع احتفالات موسكو بيوم النصر في الحرب العالمية الثانية، أعلن الكرملين، اليوم، أن الرئيس الروسي فلاديمير بوتين أصدر أوامره بوقف إطلاق النار لمدة ثلاثة أيام، تبدأ من الثامن وحتى العاشر من شهر مايو، في إطار الحرب الجارية مع أوكرانيا.

ووفقًا لما أعلنه الكرملين، طلبت موسكو من الجانب الأوكراني الالتزام بالمثل، مؤكدةً أنه في حال انتهاك الهدنة من قبل أوكرانيا، فإن القوات المسلحة الروسية "سترد ردًا مناسبًا وفعّالًا"، على حد تعبير البيان الرسمي.

وحسب وكالة "فرانس24"، فإن هذا الإعلان، الذي جاء في وقت بالغ الرمزية لموسكو، يضع الهدنة ضمن إطار مشروط، ويثير تساؤلات عدة حول نوايا روسيا الحقيقية في إنهاء الصراع، خصوصًا مع التصعيد المستمر في عدة مناطق حدودية.

شروط قاسية

في تطور لافت، ربطت موسكو بدء أي مفاوضات مع أوكرانيا بشرط أساسي يتمثل في الاعتراف الدولي بسيادتها على شبه جزيرة القرم وأربع مناطق أوكرانية أخرى.

وقال وزير الخارجية الروسي سيرجي لافروف في مقابلة مع صحيفة "أو جلوبو" البرازيلية، إن "الاعتراف الدولي بملكية روسيا للقرم وسيفاستوبول وجمهورية دونيتسك الشعبية وجمهورية لوجانسك الشعبية ومنطقتي خيرسون وزابوريجيا أمر أساسي قبل إجراء أي مفاوضات".

وتجدر الإشارة إلى أن روسيا ضمّت شبه جزيرة القرم من أوكرانيا في مارس 2014، وهو ضم رفضه المجتمع الدولي، بما في ذلك الولايات المتحدة الأمريكية، واعتبره انتهاكًا للقانون الدولي.

وفي سبتمبر 2022، أعلنت موسكو ضم أربع مناطق أوكرانية إضافية، رغم أن روسيا لا تسيطر إلا جزئيًا على تلك المناطق حتى اليوم.

ورغم تأكيد روسيا المتكرر على استعدادها للحوار، إلا أن شروطها تضع عراقيل كبيرة أمام أي احتمال لتحقيق تقدم دبلوماسي حقيقي.

تصريحات مثيرة

وفي خضم هذه التعقيدات، ألقى الرئيس الأمريكي دونالد ترامب حجرًا آخر في مياه الأزمة الراكدة. ففي مقابلة صحفية، الأحد الماضي، أشار ترامب إلى احتمال أن يتغير موقف الرئيس الأوكراني فولوديمير زيلينسكي بخصوص التخلي عن شبه جزيرة القرم.

وردًا على سؤال بشأن احتمال "تنازل" زيلينسكي عن القرم، قال ترامب: "أعتقد ذلك، لقد حدث ضم القرم قبل 12 عامًا"، في إشارة إلى طول مدة السيطرة الروسية عليها.

وتشير تقارير "سي إن إن" إلى أن واشنطن لم تكشف بعد عن تفاصيل خطتها للسلام، إلا أن بعض المصادر أوضحت أن المقترح الأمريكي يتضمن تجميد خطوط الجبهة الحالية، وقبول كييف بالتخلي عن القرم مقابل إنهاء القتال، وهو أمر ترفضه أوكرانيا بشكل قاطع حتى الآن.

حاليًا، تحتل روسيا حوالي 20% من الأراضي الأوكرانية، بما يشمل شبه جزيرة القرم، ما يجعل أي مفاوضات مقبلة معقدة للغاية.

ضغوط أمريكية

شكلت عودة ترامب إلى البيت الأبيض في يناير نقطة تحول في النهج الأمريكي تجاه النزاع الأوكراني الروسي.

منذ ذلك الحين، تسعى الولايات المتحدة إلى إنهاء الحرب بسرعة، وهو ما تخشاه كييف، معتبرة أن أي تسوية مستعجلة قد تأتي على حساب سيادتها الإقليمية.

في المقابل، تلقى الكرملين هذه المقاربة بترحيب حذر، حيث مدّ ترامب يده إلى بوتين، منتقدًا في ذات الوقت زيلينسكي بشدة، ومتبنّيًا جزئيًا السردية الروسية حول أسباب النزاع، لا سيما مسألة سعي أوكرانيا للانضمام إلى حلف شمال الأطلسي "ناتو".

ومع ذلك، وخلال الأيام الأخيرة، أبدى ترامب شكوكًا بشأن رغبة بوتين الحقيقية في إنهاء الحرب، رغم لقائه بزيلينسكي على هامش مراسم جنازة البابا فرنسيس في الفاتيكان السبت الماضي.

وفي تصريح لافت عبر منصته "تروث سوشيال"، قال ترامب: "أريده أن يتوقف عن إطلاق النار، اجلسوا ووقعوا الاتفاق"، وأضاف: "أعتقد أن لدينا الأسس لاتفاق، وأريده أن يوقعه".

فرص ضئيلة للسلام

على الصعيد الدبلوماسي، صرح وزير الخارجية الأمريكي ماركو روبيو، لمحطة "إن بي سي" قائلًا: "نحن قريبون من اتفاق، لكننا لسنا قريبين بما يكفي"، مضيفًا أن "هذا الأسبوع سيكون مفصليًا".

لكن رغم التحركات المتسارعة، تبدو فرص تحقيق تسوية قريبة ضئيلة، في ظل تعنت المواقف، والاشتراطات الروسية الصعبة، ورفض أوكرانيا تقديم تنازلات تمس وحدة أراضيها.

وفي خضم هذه الجهود، تظل الحرب مشتعلة على الأرض، ما يزيد من معاناة الأوكرانيين، ويطيل أمد أزمة تهدد بانفجار إقليمي أوسع.

دعاية كاذبة

ميدانيًا، وعلى الرغم من محاولات التهدئة الدبلوماسية، تواصل الاشتباكات العسكرية تأجيج الصراع.

وأكدت روسيا الأحد، أنها استعادت بالكامل منطقة كورسك الحدودية، والتي كانت قد توغلت فيها القوات الأوكرانية خلال أغسطس 2024، مشيرة إلى أن بقايا القوات الأوكرانية قد تم القضاء عليها.

بالمقابل، نفت كييف هذه الرواية ووصفتها بـ"الدعاية الكاذبة"، مؤكدة أن المعارك لا تزال مستمرة، وأن قواتها تحقق مقاومة فعالة في عدة مناطق.

من جانبه، شدد الرئيس الأوكراني فولوديمير زيلينسكي، على أن العمليات العسكرية في كورسك "مستمرة"، مشيرًا إلى أن الوضع بعيد عن أن يكون حسمًا نهائيًا لصالح روسيا.

وتظل الأزمة الأوكرانية الروسية تراوح مكانها بين محاولات لوقف إطلاق النار مشروطة باعترافات قسرية، وضغوط أمريكية لتحقيق تسوية سريعة قد لا ترضي جميع الأطراف.