>> لكموني في رأسي من الخلف فسقطتُ أرضًا وسمعتُ زوجتي وأطفالي يصرخون
روى حمدان بلال، المخرج المشارك الحائز على جائزة الأوسكار عن فيلم "لا أرض أخرى"، تفاصيل الهجوم الوحشي وأسره على يد المستوطنين الإسرائيليين، قائلًا إنه تعرّض للسخرية بسبب التكريم الذي ناله أثناء اختطافه، إذ وصف الحادثة بأنها "أسوأ لحظة في حياتي"، وحثّ على مواصلة الاهتمام الدولي بفلسطين و"العنف شبه اليومي" الذي يتعرّض له سكّانها.
وأضاف المخرج الفلسطيني في مقال رأي مؤثر في صحيفة "نيويورك تايمز" بعنوان "جائزة الأوسكار التي نلتها عن فيلم "لا أرض أخرى" لم تحميني من العنف"، واصفًا خيبة الأمل التي شعر بها عند استلامه جائزة على "أحد أهم مسارح العالم" ثم عودته إلى منزله في منطقة "مسافر يطا" بفلسطين ليجد نفسه ومجتمعه لا يزالوا عالقين في دوامة العنف والقهر نفسها، حيث استنكر الهجوم قائلًا: "في لحظة، بدا الأمر كما لو أن حفل توزيع جوائز الأوسكار لم يُقام قط، كما لو أن الجائزة لا تعني شيئًا".
كتب "بلال" في مقاله أن الهجوم وقع في "أمسية رمضانية عادية" أواخر مارس الماضي، عندما أبلغه جاره بمهاجمة المستوطنين، فسارع لتوثيق المشهد، ثم انسحب لاحقًا عندما ازداد الحشد وشعر بالقلق على سلامة عائلته، وعندما رأى "بلال" الجنود -الذين تعرّف عليهم- قادمين نحوه، أدخل زوجته وأطفاله الثلاثة الصغار إلى الداخل، وأمرها ألا تفتح الباب مهما حدث.
تابع المخرج الفلسطيني في مقاله عن هذه التجربة التي وصفها بالمروعة: "قابلوني خارج باب منزلي وبدأوا بضربي وشتمي، ساخرين مني واصفين إياي بـ"صانع الأفلام الحائز على جائزة الأوسكار"، شعرتُ برصاصات تضرب أضلعي، ولكمني أحدهم في رأسي من الخلف فسقطتُ أرضًا، رُكلتُ وبُصِقَ عليّ، شعرتُ بألم وخوف شديدين، وسمعتُ زوجتي وأطفالي يصرخون ويبكون، ينادونني ويطلبون من الرجال الابتعاد، كانت أسوأ لحظة في حياتي، وظننتُ أنا وزوجتي أنني سأُقتل حيث كنا نخشى ما قد يحدث لعائلتي إذا مُتُّ".
كُبِّلت يداي وعُصِّبت عيناي، ثم أُلقي بي في سيارة جيب عسكرية، وقضيت ساعاتٍ طويلة في قاعدة عسكرية، ثم أُطلق سراحي بعد يوم، كان الهجوم عليّ وعلى مجتمعي وحشيًّا.
ووصف حمدان مجتمعه في القرى المحيطة بمسقط رأسه سوسيا بأنه متكاتف ونابض بالحياة حيث المناظر الطبيعية هنا جميلة وواسعة، قائلًا: "عام بعد عام، نزرع الأرض ونرعى أغنامنا في الحقول نبدأ صباحنا بفنجان شاي نشربه عند شروق الشمس، بينما تستمتع القطعان بالندى الذي لا يزال عذبًا على العشب، ويستمر اليوم بزراعة الأرض، ورعاية الحيوانات، وحلب الأغنام والماعز، وإعداد الطعام والسلع من عملنا، تشارك الأسرة والقرية بأكملها في هذا العمل اليومي معًا، متعاونين، ومع ذلك فإن خطر الهجمات يُولّد مشاعر خوف وخسارة دائمة، وأنه على الرغم من فوزه بجائزة الأوسكار، إلا أنه شعر بـ"ألم" و"خيبة أمل" من شعوره بـ"العجز".
تابع المخرج الفلسطيني في مقاله: "قبل ثلاثة أسابيع، على مسرح الأوسكار، شعرتُ بطعم القوة والإمكانات، لكن على الرغم من أن فيلمنا حظي بتقدير عالمي، فأنني شعرتُ أنني فشلتُ - لقد فشلنا - في محاولتنا لتحسين الحياة هنا، وإقناع العالم بضرورة تغيير شيء ما، لا تزال حياتي تحت رحمة المستوطنين والاحتلال، ولا يزال مجتمعي يعاني من عنف لا ينتهي، فاز فيلمنا بجائزة الأوسكار، لكن حياتنا ليست أفضل مما كانت عليه من قبل".
اختتم المخرج مقاله بدعوة إلى العمل، قائلاً إنه شعر بـ"الأمل" من رد الفعل الذي حظي به فيلم "لا أرض أخرى"، مضيفًا: "أعلم أن هناك آلافًا وآلافًا من الناس الذين يعرفون الآن اسمي وقصتي، ويعرفون اسم مجتمعي وقصتنا، ويقفون معنا ويدعموننا لا تتراجعوا الآن".
فيلم "لا أرض أخرى"، الذي لا يزال يفتقر إلى التوزيع الأمريكي، بعد أن نجا من التهديدات الموجهة إلى دور السينما بعرضه، يوثّق تدمير جنود الاحتلال الإسرائيلي لـ"مسافر يطا" في الضفة الغربية المحتلة، قادته مجموعة فلسطينية إسرائيلية تضم المخرجين المشاركين باسل عدرا الناشط الفلسطيني، ويوفال أبراهام الصحفي الإسرائيلي، كما تولت المخرجة الإسرائيلية راشيل سزور إدارة المشروع.
وأعلن أبراهام لأول مرة عن القبض على بلال، ثم انتقد لاحقًا رد فعل الأكاديمية على الهجوم، حيث رفضت الهيئة التنديد بالعنف بشكل قاطع، وعقدت الأكاديمية اجتماعًا عاجلًا بشأن رد الفعل العنيف الذي أعقب ذلك، واعتذرت عن الرسالة الغامضة التي أصدرتها بشأن هذه المسألة - والتي لم تذكر اسم بلال حتى -بعد أن أدان أكثر من 900 عضو بارز في الأكاديمية هذه الخطوة الفاترة ودعوا إلى رد أقوى لدعم حمدان بلال.
بعد ذلك، صاغت المجموعة رسالة مشتركة تشكر أعضاء الأكاديمية على دفاعهم عن بلال، وجاء فيها: "أردنا أن نشارككم بإيجاز أن حالة حمدان الصحية قد تحسنت خلال الأيام القليلة الماضية، وهو الآن في المنزل مع أطفاله، لقد كانت رسالتكم الداعمة له مؤثرة للغاية بالنسبة لنا شخصيًا، ومهمة سياسيًا أيضًا، لا سيما مع استمرار الهجمات على مجتمع مسافر يطا يوميًا في وقت شعرنا فيه بتجاهل الأكاديمية لنا، كان من المهم جدًا أن نقرأ رسالتكم ونعلم أننا لسنا وحدنا".