مثلما أثار خبر فوز فيلم "لا أرض أخرى" بجائزة الأوسكار كأفضل وثائقي منذ 3 أسابيع، ضجة، عاد أحد مخرجيه الفلسطيني حمدان بلال، لتصدر عناوين الأخبار مجددًا بعد اعتقاله مساء أمس الاثنين، في قرية سوسيا جنوب الضفة الغربية المحتلة، ذلك الاعتقال الذي جاء عقب تعرضه لاعتداء من قبل مستوطنين إسرائيليين، وفقًا لشهود عيان، هاجم نحو 15 مستوطنًا مسلحًا منزل بلال، ما أدى إلى إصابته بجروح وتدمير ممتلكاته.
وبعد الاعتداء، استدعى بلال سيارة إسعاف لتلقي العلاج. وفي أثناء وجوده داخلها، اقتحمت قوات جيش الاحتلال السيارة واعتقلته، على الرغم من إصابته ونزفه، كما اعتُقل شخص آخر يُدعى ناصر في الحادثة نفسها.
فيلم "لا أرض أخرى"، الذي شارك بلال في إخراجه مع ثلاثة آخرين منهم إسرائيليون، يوثق معاناة الفلسطينيين في منطقة مسافر يطا جنوب الخليل، مُسلطًا الضوء على عمليات الهدم والتهجير التي يتعرضون لها من قبل السلطات الإسرائيلية.
فوز الفيلم بالأوسكار سبق أن أثار غضب إسرائيل، إذ انتقد وزير الثقافة الإسرائيلي ميكي زوهار، منح الفيلم "لا أرض أخرى" أوسكار أفضل وثائقي، ووصفه بأنه "لحظة حزينة للسينما"، وقال عبر حسابه بمنصة "إكس"، إنه يقدم رؤية مشوهة لإسرائيل حسب وصفه.
وقال باسل عدرا، مخرج آخر من مخرجي فيلم "لا أرض أخرى" الأربعة، وجميعهم من إسرائيل وفلسطين، لصحيفة "الجارديان"، إنه يعتقد أن تصاعد عنف المستوطنين قد يكون ردًا على التقدير الدولي الذي حظى به الفيلم الوثائقي، مضيفًا: "يتعرض الفلسطينيون في القرية لاعتداءات جسدية من المستوطنين بشكل شبه يومي. عنف المستوطنين يتزايد هنا. ربما يكون ذلك انتقامًا للفيلم وجائزة الأوسكار".
وصف عدرا، الذي شهد الهجوم في سوسيا، العنف بأنه "مروع". وأضاف: "كان هناك عشرات المستوطنين رفقة جنود الاحتلال، وكانوا يهددوننا بالسلاح. كانت الشرطة حاضرة منذ البداية ولم تتدخل. وبينما كان الجنود يوجهون أسلحتهم نحونا، بدأ المستوطنون بمهاجمة منازل الفلسطينيين".
و"حاول حمدان حماية عائلته، فهاجمه المستوطنون. وبدأ الجنود بإطلاق النار في الهواء لمنع أي شخص من مساعدة حمدان. كان يصرخ طلبًا للمساعدة. سمحوا للمستوطنين بمهاجمته، ثم اختطفه الجيش"، حسبما يؤكد عدرا.
وكتب يوفال أبراهام، المخرج الإسرائيلي المشارك في الفيلم، على موقع إكس: "قامت مجموعة من المستوطنين بضرب حمدان بلال، المخرج المشارك لفيلمنا "لا أرض أخرى". ضربوه، وأصيب بجروح في رأسه وبطنه، وكان ينزف. اقتحم الجنود سيارة الإسعاف التي اتصل بها، وأخذوه. لم يبق له أثر منذ ذلك الحين".
هذه ليست المرة الأولى التي يتعرض فيها مخرجو وطاقم فيلم "لا أرض أخرى" لاعتداءات من قبل المستوطنين. وفي فبراير الماضي، حاصر مستوطنون إسرائيليون ملثمون عدرا وهاجموه.
تأتي هذه الحادثة في ظل تصاعد التوترات بالضفة الغربية، إذ تتزايد اعتداءات المستوطنين على الفلسطينيين، خاصة في مناطق مثل سوسيا. وفقًا لشهود عيان، يعمل جيش الاحتلال الإسرائيلي والمستوطنون بشكل منسق؛ إذ يهدم الجيش المنازل، بينما يهاجم المستوطنون السكان.
وما زال مكان احتجاز بلال غير معروف، غذ أفادت محاميته، ليا تسيمل، بأنها لم تتمكن من الوصول إليه صباح الثلاثاء، وأن الشرطة الإسرائيلية أبلغتها بأنه محتجز في قاعدة عسكرية لتلقي العلاج الطبي.
وتسلط هذه الحادثة الضوء على التحديات المستمرة التي يواجها الفنانون الفلسطينيون في توثيق ونقل معاناة شعبهم، في ظل تصاعد العنف والاعتداءات بالأراضي المحتلة.
ويعد فيلم "لا أرض أخرى" وثيقة سينمائية مؤثرة تسلط الضوء على معاناة الفلسطينيين في منطقة مسافر يطا بالضفة الغربية، إذ يتعرض السكان لعمليات هدم المنازل والتهجير القسري من قبل جيش الاحتلال.
ويمتد الفيلم على مدار 95 دقيقة، موثقًا بأسلوب وثائقي رحلة معاناة أهالي مسافر يطا مع الاحتلال الإسرائيلي الساعي لإخراجهم من منازلهم المتواضعة، التي لا تتوافر بداخلها أبسط أساسيات الحياة، كما يبرز التباين الصارخ في الحقوق والامتيازات بين الفلسطينيين والإسرائيليين، لصالح جيش الاحتلال.
ونال الفيلم إشادة واسعة في الأوساط السينمائية، ما يعكس قوته في نقل الواقع الفلسطيني إلى الساحة العالمية.
وفي المجمل، يُعتبر "لا أرض أخرى" عملًا سينمائيًا جريئًا وملهمًا، يُبرز قوة السينما في توثيق الواقع والتأثير بالوعي الجماهيري، مسهمًا في نقل معاناة الفلسطينيين إلى العالم بأسلوب فني مؤثر.