مع تزايد التوترات الجيوسياسية وأزمات المناخ، اجتمع ممثلو 60 دولة في لندن هذا الأسبوع لمناقشة أهم التحديات التي تواجه أمن الطاقة العالمي، وكشفت المحادثات التي استمرت ليومين في قصر لانكستر، بتنظيم من المملكة المتحدة والوكالة الدولية للطاقة، عن انقسامات عميقة في الرؤى والاستراتيجيات بين القوى العالمية الكبرى.
أمن الطاقة
شكلت العلاقة بين أمن الطاقة والأمن القومي المحور الرئيسي للنقاشات، وأكد رئيس الوزراء البريطاني كير ستارمر في افتتاح القمة أن "أمن الطاقة هو أمن قومي"، وهي الفكرة التي لم تلق معارضة من أي من الأطراف المشاركة.
وأضاف "ستارمر" أن مستقبل المملكة المتحدة يكمن في الطاقة النظيفة منخفضة الكربون، معلنًا التزامه "تسريع جهود إزالة الكربون من قطاع الطاقة".
وبحسب ما ذكرته صحيفة "ذا جارديان" البريطانية، تعد تصريحات ستارمر بمثابة رد واضح على منتقدي سياسة صافي الانبعاثات الصفرية، سواء من داخل حزب العمال أو خارجه، وتصويت ثقة لصالح وزير الطاقة البريطاني إد ميليباند، الذي كان هدفًا لانتقادات من بعض أجنحة حزبه.
تباين واضح
برز تباين واضح في الرؤى حول دور الوقود الأحفوري في معادلة أمن الطاقة المستقبلية. فمن جهة شدد معظم المشاركين على أن استخدام إمدادات الطاقة كسلاح في الصراعات، وخاصة من قبل روسيا في حربها مع أوكرانيا، هو درس مهم يدفع نحو البحث عن بدائل للوقود الأحفوري.
وأدى تحكم روسيا في إمدادات الغاز إلى ارتفاع أسعار الوقود الأحفوري عالميًا، مما تسبب في موجة تضخم وأزمة في تكلفة المعيشة، ملحقةً ضررًا واسعًا بالفئات الأقل دخلًا حول العالم، كما تسببت في أزمات سياسية للأحزاب الحاكمة في العديد من البلدان.
غير أن الولايات المتحدة اتخذت موقفًا مغايرًا، وكانت الداعم الأكثر صراحة للوقود الأحفوري في المؤتمر.
وأثار تومي جويس، مساعد وزير الطاقة الأمريكي بالإنابة، دهشة الحضور عندما صرح بأن هدف الوصول إلى انبعاثات صفرية بحلول عام 2050 "ضار وخطير"، محذرًا من "وضع أهداف انبعاثات مجردة لمصلحة خصومنا قبل أمن شعوبنا".
الصين والعمل المناخي
على الرغم من غياب الصين عن المؤتمر اللندني، استغل الرئيس الصيني شي جين بينج اجتماعًا مغلقًا ضم 18 من قادة العالم، عقدته الأمم المتحدة، ليقدم فيه أكبر مداخلة دولية له بشأن المناخ منذ سنوات.
وفي كلمته، التي تجنب فيها ذكر الولايات المتحدة أو الرئيس ترامب بالاسم، انتقد "سعي بعض الدول الكبرى المستمر وراء الأحادية والحمائية"، مؤكدًا أن الصين "لن تبطئ إجراءاتها المناخية".
وسعى الرئيس الصيني إلى تقديم بلاده كحامٍ للدول النامية ورائد في مجال المناخ على الساحة العالمية، متفاخرًا بأن الصين "بنت أكبر وأسرع أنظمة الطاقة المتجددة نموًا في العالم، وكذلك أكبر وأشمل سلسلة صناعية للطاقة الجديدة".
وعلق أندرياس سيبر، المدير المشارك للسياسة العالمية في مجموعة 350.org، على خطاب شي قائلًا: "هذه انفراجة كبرى.. السؤال الآن ليس ما إذا كانت الصين ستتحرك، بل إلى أي مدى هي مستعدة للذهاب".
نقطة التقاء وسط الخلافات
وسط الانقسامات حول مصادر الطاقة المختلفة، برزت الطاقة النووية كنقطة التقاء محتملة بين العديد من الدول، إذ أشاد فاتح بيرول، المدير التنفيذي للوكالة الدولية للطاقة، بإمكانات الطاقة النووية، رغم تأكيده أن النفط والغاز سيظلان "جزءًا من مزيج الطاقة لسنوات قادمة".
وعلى الرغم من التحديات المرتبطة بالطاقة النووية من تكلفة وصعوبات بناء المحطات والأمن المادي ومشكلات النفايات المشعة، فإنها تبقى جاذبة للعديد من الحكومات لقدرتها على توفير طاقة أساسية مستقرة، مما يساعد على موازنة شبكات الكهرباء التي تعتمد على مصادر الطاقة المتجددة المتقطعة مثل الرياح والطاقة الشمسية.
وكان وزير الطاقة الفرنسي مارك فيراتشي من أبرز المدافعين عن الطاقة النووية في المؤتمر، وقال: "الطاقة النووية لا تزال جذابة للغاية، فقد تكون التكلفة عالية على المدى القصير، لكنها على المدى الطويل توفر قابلية للإرسال وحملًا أساسيًا.. إنها تجعل نظام الكهرباء أكثر مرونة، وهذه المرونة مهمة للغاية".
وأشار ميليباند إلى الطاقة النووية باعتبارها إحدى مجالات "الأرضية المشتركة" في سياسة الطاقة والمناخ بين المملكة المتحدة والولايات المتحدة.