كشفت صحيفة "نيويورك تايمز" عن أن وزير الدفاع الأمريكي بيت هيجسيث استخدم هاتفه الشخصي لمشاركة معلومات عسكرية حساسة عن الضربات الأمريكية ضد الحوثيين في اليمن عبر تطبيق "سيجنال" المشفر، موضحة أن رقم هاتفه كان متاحًا بسهولة على الإنترنت حتى شهر مارس الماضي، ما شكَّل تهديدًا خطيرًا للأمن القومي الأمريكي.
تسريبات "سيجنال"
استخدم هيجسيث تطبيق "سيجنال" للمراسلات المشفرة لمشاركة تفاصيل دقيقة حول توقيت انطلاق الطائرات المقاتلة الأمريكية لتنفيذ ضربات في اليمن.
وشارك هذه المعلومات في مجموعة دردشة ضمت زوجته وشقيقه وأشخاصًا آخرين، وبرزت القضية للعلن عندما كتب محرر مجلة "ذي أتلانتيك" مقالًا ذكر فيه أنه تمت إضافته بطريق الخطأ إلى محادثة مشفرة بين مسؤولين حكوميين أمريكيين كبار.
وأكد مايك كيسي، المدير السابق للمركز الوطني للاستخبارات المضادة والأمن، في مقابلة مع "نيويورك تايمز": "هناك احتمال بنسبة 100% أن شخصًا ما حاول تثبيت برنامج بيجاسوس أو أي برنامج تجسس آخر على هاتفه.. إنه واحد من بين أهم خمسة أشخاص مستهدفين للتجسس في العالم على الأرجح".
انتشار رقم هاتف هيجسيث
كشفت الصحيفة الأمريكية أن رقم هاتف هيجسيث الشخصي كان منتشرًا على العديد من المنصات الإلكترونية، بما في ذلك واتساب وفيسبوك وموقع للرياضات الافتراضية والمراهنات الرياضية.
وبعد الكشف عن محادثات "سيجنال" في مارس، تمكنت صحيفة "دير شبيجل" الألمانية من العثور على أرقام هواتف هيجسيث ومسؤولين كبار آخرين في إدارة ترامب على الإنترنت.
وعلقت إميلي هاردينج، خبيرة الدفاع والأمن في مركز الدراسات الاستراتيجية والدولية قائلة: "لا تريد ببساطة أن يكون رقم هاتف وزير الدفاع متاحًا ومتوفرًا لأي شخص".
ولم يستجب المتحدث الرسمي باسم البنتاجون، شون بارنيل، لطلبات التعليق على القضية.
بصمات رقمية متعددة
ترك هيجسيث "آثارًا رقمية" كثيرة عبر استخدامه لهاتفه الشخصي في التسجيل بمواقع وتطبيقات متنوعة مثل Airbnb وMicrosoft Teams، كما ارتبط رقم هاتفه بعنوان بريد إلكتروني مرتبط بدوره بملف تعريف على Google Maps، حيث يمكن رؤية تقييماته لخدمات مختلفة مثل طبيب أسنان وسباك ورسام جداريات وشركات أخرى.
وفي 15 أغسطس 2024، استخدم رقم هاتفه الشخصي للانضمام إلى موقع Sleeper.com، وهو موقع للرياضات الافتراضية والمراهنات، باسم المستخدم"PeteHegseth". وبعد أقل من أسبوعين، انضمت زوجته جينيفر أيضًا إلى الموقع، وكانت من بين المشاركين في إحدى محادثتي "سيجنال" حول الضربات العسكرية.
الفرق بين الهواتف الحكومية والشخصية
تُعتبر الهواتف المحمولة الحكومية أكثر أمانًا بكثير من الهواتف الشخصية؛ لأنها مزودة بضوابط حكومية صارمة تهدف إلى حماية الاتصالات الرسمية.
وأوضح جلين س. جيرستيل، المستشار العام السابق لوكالة الأمن القومي: "إذا كنت تستخدم هاتفك للأنشطة اليومية العادية، فأنت تترك مسارًا رقميًا مرئيًا للغاية يمكن حتى لشخص متوسط التطور، ناهيك عن جهة خبيثة، أن يتتبعه".
وبحسب الخبراء، فإن استخدام هيجسيث لرقم هاتفه الشخصي على تطبيق "سيجنال" لمناقشة معلومات عسكرية حساسة عرّض نفسه، وربما الطيارين، لخطر اختراق الخصوم الأجانب الذين أثبتوا قدراتهم على اختراق حسابات المسؤولين الأمريكيين، سواء كانت مشفرة أم لا.
اختراق الهواتف المشفرة
أكد خبراء في الأمن السيبراني أن الصين وروسيا تمتلكان القدرات اللازمة لاختراق الهواتف المشفرة، وربما إيران أيضًا.
وشبّه جيمس أ. لويس، خبير الأمن السيبراني، أرقام الهواتف بـ"عنوان الشارع الذي يخبرك بالمنزل الذي يجب اقتحامه.. بمجرد حصولك على عنوان الشارع، تصل إلى المنزل، وقد تكون هناك أقفال على الأبواب، وتسأل نفسك: هل لدي الأدوات لتجاوز أو كسر الأقفال؟".
كشفت سلسلة من التسريبات العام الماضي كيف تمكنت مجموعة استخبارات صينية متطورة تُسمى "سولت تايفون" من التغلغل في ما لا يقل عن تسع شركات اتصالات أمريكية.
وأشار المحققون إلى أن من بين الأهداف كانت خطوط الهاتف التجارية غير المشفرة التي يستخدمها الرئيس دونالد ترامب ونائب الرئيس جي دي فانس وكبار مسؤولي الأمن القومي.
تقنيات "النقر الصفري"
أشارت نيويورك تايمز إلى أن أكثر من 75 دولة حصلت على برامج تجسس تجارية خلال العقد الماضي، في حين تمتلك أكثر أدوات التجسس تطورًا، مثل بيجاسوس، تقنية "النقر الصفري"، التي تمكنها من استخراج جميع المعلومات من الهاتف المحمول للهدف بشكل خفي وعن بعد، دون الحاجة إلى نقر المستخدم على أي رابط ضار، ويمكن لهذه البرامج تحويل الهاتف المحمول إلى جهاز تتبع وتسجيل سري.
ورغم أن تطبيق "سيجنال" يُعتبر مشفرًا وآمنًا نسبيًا، فإن البرامج الضارة التي تقوم بتثبيت مسجلات المفاتيح على الهاتف تسمح للمتسللين بقراءة ما يكتبه المستخدم حتى في التطبيقات المشفرة، لأن التشفير يعمل فقط خلال لحظات الإرسال والاستقبال.
إجراءات غير آمنة
ذكر مصدر مطلع على محادثة "سيجنال" أن مساعدي هيجسيث حذروه قبل يوم أو يومين من ضربات اليمن في 15 مارس من مناقشة تفاصيل عملياتية حساسة في مجموعة الدردشة الخاصة به، لكن لم يتضح كيف استجاب لتلك التحذيرات.
كما كشفت الصحيفة أن هيجسيث قام بإعداد تطبيق "سيجنال" على جهاز كمبيوتر في مكتبه بالبنتاجون للتمكن من إرسال واستقبال الرسائل الفورية في مكان لا يُسمح فيه بالهواتف المحمولة الشخصية، ولديه جهازا كمبيوتر في مكتبه، واحد للاستخدام الشخصي وآخر صادر من الحكومة.
وفي تصريح مثير للقلق، قال النائب الجمهوري دون بيكون من نبراسكا، الذي اقترح إقالة هيجسيث، لشبكة CNN: "أضمن لك أن روسيا والصين مطلعتان تمامًا على هاتف وزير الدفاع المحمول".