في خضم المساعي الدولية المتسارعة لإنهاء الحرب الروسية على أوكرانيا، أكد رئيس الوزراء البريطاني السير كير ستارمر موقفًا مخالفًا لتوجهات الرئيس الأمريكي دونالد ترامب، مشددًا على ضرورة احترام حق كييف في تقرير شروط أي اتفاق سلام مع موسكو.
ومع تصاعد الضغوط الأمريكية للتوصل إلى اتفاق سريع، رفض ستارمر -في تصريحات خاصة أدلى بها لصحيفة "ذا تليجراف" البريطانية- الاعتراف بسيادة روسيا على شبه جزيرة القرم، متحديًا بذلك المقترحات الأمريكية ومؤكدًا على ضرورة التزام موسكو بوقف إطلاق نار غير مشروط كخطوة أولى نحو السلام.
حق أوكرانيا في تقرير مصيرها
في المقابلة التي أجراها ستارمر على متن حاملة الطائرات البريطانية الرئيسية "إتش إم إس برنس أوف ويلز"، أكد أن "المرحلة الحالية من المفاوضات حساسة للغاية" وأن "أوكرانيا هي من يجب أن تقرر بشأن هذه القضايا، وليس للآخرين أن يقرروا نيابة عنها."
وأضاف رئيس الوزراء البريطاني: "القرار يعود لأوكرانيا.. وعلى روسيا أن تأتي إلى طاولة المفاوضات من أجل وقف إطلاق نار غير مشروط"، وأيضًا رفض ستارمر تحميل الرئيس الأوكراني فولوديمير زيلينسكي مسؤولية عدم التوصل إلى اتفاق سلام، مؤكدًا أن "روسيا هي المعتدي".
وقال في حديثه لـ"ذا تليجراف": "لا ينبغي أن ننسى أبدًا أن زيلينسكي عُرِض عليه الخروج الآمن من بلاده في الأسبوع الأول من النزاع.. في ذلك الوقت، اعتقد الجميع أن روسيا ستنجح بسرعة كبيرة في تحقيق هدفها المتمثل في السيطرة على أوكرانيا، لكنه بقي للقتال وقيادة بلاده، وهو ما فعله بشجاعة ومرونة هائلة لأكثر من ثلاث سنوات."
نقطة خلاف محورية
يمثل مصير شبه جزيرة القرم، التي ضمتها روسيا عام 2014، نقطة خلاف محورية بين الولايات المتحدة وبريطانيا، فبينما تتجه واشنطن نحو الاعتراف بسيادة روسيا على الجزيرة كجزء من تسوية محتملة، أظهرت لندن تحفظها على هذا المقترح.
وعندما سُئل ستارمر عمّا إذا كان سيقبل باتفاق سلام يحدد القرم كجزء من روسيا، قال بحذر: "ليس من حقي أن أقول ذلك.. هذا جزء من المناقشات."
وكشفت الصحيفة البريطانية عن تفاصيل خطة من خمس نقاط قدمتها أوكرانيا، تصر فيها على عدم الاعتراف الدولي الرسمي بالسيادة الروسية على القرم أو الأراضي المحتلة الأخرى، محذرة من أن مثل هذا الاعتراف سيشكل انتهاكًا لمبدأ أساسي في القانون الدولي وللدستور الأوكراني الذي ينص على أنه لا يمكن التنازل عن الأراضي إلا من خلال استفتاء.
انتقاد التسوية السريعة
على الجانب الآخر من المحيط الأطلسي، يدفع الرئيس الأمريكي دونالد ترامب بقوة نحو إنهاء سريع للصراع، متأثرًا بوعوده الانتخابية، وكتب على منصته "تروث سوشيال" بعد هجوم روسي على كييف: "أنا غير سعيد بالضربات الروسية على كييف.. غير ضرورية، وتوقيتها سيئ للغاية.. فلاديمير، توقف.. يموت 5000 جندي أسبوعيًا. دعونا ننجز اتفاق السلام!"
وفي مؤتمر صحفي بالبيت الأبيض، أكد الرئيس الأمريكي أنه يعتقد أن الطرفين يريدان السلام، مضيفًا: "لدي موعدي النهائي الخاص، ونريد أن يكون سريعًا"، وكرر انتقاده للغارة على كييف لكنه قال إنه سيكون "صعبًا للغاية" على أوكرانيا استعادة القرم. وعندما سُئل عن التنازلات التي طلبها من روسيا، قال ترامب: "وقف الحرب، وقف أخذ البلد بأكمله.. تنازل كبير جدًا".
هذه المقترحات الأمريكية أثارت انتقادات في بريطانيا، وكتب رئيس الوزراء البريطاني الأسبق بوريس جونسون، الذي يُعتبر حليفًا قويًا لترامب، على منصة "إكس": "ماذا تحصل أوكرانيا بعد ثلاث سنوات من المقاومة البطولية ضد غزو وحشي وغير مبرر؟ باستثناء الحق في مشاركة مواردها الطبيعية مع الولايات المتحدة؟ لا تحصل على شيء.. ما الذي يمكن أن يوقف واقعيًا غزوًا روسيًا ثالثًا؟ لا شيء."
"تحالف الراغبين"
يواصل ستارمر دفعه للحصول على ضمانات أمنية أمريكية لما أسماه "تحالف الراغبين"، والذي بموجبه سيتم وضع قوات غربية في أوكرانيا للإشراف على أي سلام، وأفادت التقارير أن بريطانيا خففت من هذه الخطط وتعتزم إرسال مدربين عسكريين بدلًا من قوة قتالية كبيرة.
وعندما سُئل إستيف ريد، وزير البيئة البريطاني، عما إذا كانت الحكومة لا تزال ملتزمة بإرسال قوات بريطانية، قال: "تلك المفاوضات لا تزال جارية.. لم تُتخذ أي قرارات بعد، لكن جميع الخيارات لا تزال مطروحة سواء كان ذلك برًا أو جوًا أو بحرًا."
ونقلت صحيفة "ذا تايمز" أن خطط "تحالف الراغبين" قد تم تخفيفها، مع اعتبار مخاطر إرسال آلاف الجنود لحماية أوكرانيا "مرتفعة للغاية". وبدلاً من ذلك، سينصب التركيز على إعادة تشكيل وإعادة تسليح الجيش الأوكراني، مع توفير الحماية من الجو والبحر، وسيتم إرسال مدربين عسكريين بريطانيين وفرنسيين إلى غرب أوكرانيا.
موسكو ترى "تقدمًا" في المفاوضات
على الجانب الروسي، بدت المواقف أكثر إيجابية تجاه المقترحات الأمريكية، وصرح وزير الخارجية الروسي سيرجي لافروف، لشبكة "سي بي إس نيوز"، بأن الصفقة "تتحرك في الاتجاه الصحيح".
وأضاف لافروف: "يذكر بيان الرئيس صفقة، ونحن مستعدون للتوصل إلى صفقة، لكن لا تزال هناك بعض النقاط المحددة - عناصر هذه الصفقة التي تحتاج إلى ضبط دقيق."
رهان ستارمر على السلام الدائم
أكد رئيس الوزراء البريطاني أنه يأمل في إعلان وقف إطلاق النار بحلول الصيف، مشددًا على أهمية أن تكون أي هدنة دائمة وليست مؤقتة.
وقال: "ما لا أريد رؤيته هو وقف إطلاق نار مؤقت، لأنني مقتنع قدر استطاعتي بأن ذلك سيترك روسيا ببساطة مع القدرة والوسائل للعودة مرة أخرى في وقت ما في المستقبل. لقد فعلوا ذلك من قبل، ولا شك لدي في أنهم سيفعلون ذلك مرة أخرى."
كما شدد ستارمر على استحالة تخلي أوروبا عن علاقاتها الأمنية مع أمريكا، قائلًا: "هناك الكثير من الناس الذين يحثوننا على أن نسير في اتجاه أوروبي فقط بدلاً من اتجاه أوروبا وأمريكا معًا.. أعتقد ببساطة أن هذا خطأ من حيث المبدأ، بشأن أوكرانيا وبشكل أعم.. إن تلك القدرة على اتباع نهج يركز على الناتو هي التي منحتنا السلام."